الخميس 30 تشرين أول , 2025 12:55

ميدل إيست آي: الرعب المدعوم إماراتياً في الفاشر يفضح خواء كلمات الغرب

ترامب وبن زايد في شرم الشيخ

يكشف هذا المقال الذي نشره موقع "Middle East Eye" وترجمه موقع الخنادق الالكتروني، كيف تكذب الدول الغربية حينما تدّعي قلقها على حياة المدنيين في السودان، وآخرها بعد حصول مجزرة الفاشر، بينما تقوم هذه الدول بالتعمية عن الجاني الرئيسي الذي تسبّب بكل الجرائم بحق المدنيين وهي الإمارات. فوفقاً لهذا المقال، لم يكن ليحدث ما حصل في الفاشر اليوم لولا الإمارات العربية المتحدة. وأن الأخيرة على الرغم من نفيها الدائم، قدمت لميليشيا الدعم السريع السلاح والإمدادات والدعاية والتغطية الدبلوماسية، منذ ما قبل اندلاع الحرب مع الجيش سنة 2023.

النص المترجم:
في وقت سابق من هذا الشهر، وبينما كان كبار الشخصيات الدولية يتزاحمون لتقديم التحية لدونالد ترامب بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في غزة، أمسك الرئيس الأمريكي بيد الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس وزراء الإمارات ومالك نادي مانشستر سيتي لكرة القدم، وقال له: "أموال غير محدودة".
ارتفعت الضحكات وابتسم الجميع، فترامب قال بصراحة ما يقوله الآخرون في الخفاء، ولكن من يهتم؟

تذكّر هذا المشهد، عندما تسمع ردود السياسيين الأمريكيين والبريطانيين والغربيين على سقوط مدينة الفاشر بيد قوات الدعم السريع، الميليشيا شبه العسكرية المدعومة من الإمارات.

تذكّره أيضاً عندما تسمع أن مسعد بولس، المستشار الأمريكي لشؤون العرب وأفريقيا، دعا قوات الدعم السريع – التي خلصت الإدارة الأمريكية إلى أنها ترتكب إبادة جماعية – إلى "حماية المدنيين ومنع المزيد من المعاناة".

وتذكّره عندما تقرأ أن جيني تشابمان، البارونة البريطانية ووزيرة الخارجية، "قلقة" وتعتقد أن قوات الدعم السريع يجب أن "تفي بالتزاماتها في حماية المدنيين".

بينما كان ترامب يعانق منصور ويضحك حول "أمواله غير المحدودة"، كانت الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور – تحت الحصار منذ أكثر من 500 يوم. سكانها يعيشون ظروف مجاعة، وقوات الدعم السريع أحاطت بهم بسواتر ترابية، لتحوّل المدينة إلى صندوق قتل مغلق.
هذه القوات، التي تخوض حرباً ضد الجيش السوداني منذ نيسان / أبريل 2023، كانت تستعد للقيام بما فعلته مراراً في دارفور: ذبح المدنيين السودانيين.

منذ أيار / مايو 2024، حذّر مراقبو حقوق الإنسان من "سربرنيتسا جديدة" (إبادة جماعية شهدتها البوسنة والهرسك في تموز / يوليو 1995) في الفاشر، ومن مجزرة رهيبة ستُرتكب أمام أنظار عالمٍ لن يحرك ساكناً.
واليوم، ها هي المجزرة تقع فعلاً.

مقاتلو الدعم السريع يطلقون النار على المدنيين الفارين من الجحيم الذي صنعوه. يعذبون العاملين الإنسانيين. ويصوّرون أنفسهم وهم يرتكبون الإبادة، كما يفعل الجنود الإسرائيليون في غزة. دماء ضحاياهم باتت تُرى من الفضاء.

الحرب في السودان والدور الإماراتي

للحرب في السودان وجوه كثيرة.
الجيش السوداني، الذي يفترض أنه يحمي الفاشر، يقبع منذ أشهر في وسط حقل ألغام زرعه بنفسه حول ثكناته حفاظاً على سلامته.
أما قوات الدعم السريع، المنبثقة من ميليشيات الجنجويد التي روعت دارفور في العقد الأول من القرن الحالي، فكانت جزءاً من المؤسسة العسكرية، وجزءاً من دولة مناهضة للديمقراطية تسعى لحصر ثروات السودان في أيدي النخب المعتادة.

لكن ما يحدث في الفاشر اليوم ما كان ليحدث لولا الإمارات العربية المتحدة.
فعلى الرغم من نفيها الدائم، قدمت الإمارات للدعم السريع السلاح والإمدادات والدعاية والتغطية الدبلوماسية، منذ ما قبل اندلاع الحرب مع الجيش عام 2023.

وللإمارات قاعدتان داخل السودان – في نيالا بجنوب دارفور والملحا على بعد 200 كم من الفاشر – وتنقل الإمدادات إلى قوات الدعم السريع من مجموعة من القواعد المنتشرة في دول الجوار، مثل بوصاصو على الساحل الصومالي في بونتلاند، والكفرة في جنوب ليبيا، ومطار كاجانسي في أوغندا.

قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) يزود الإمارات بالذهب من مناجمه، وبالمرتزقة من غرب السودان وخارجه، وبنفوذ راسخ في بلد كبير يتمتع بموقع استراتيجي وثروات طبيعية هائلة غير مستغلة.

ساحل السودان على البحر الأحمر، أراضيه الزراعية الخصبة، شبابه المقاتلون – كل ذلك وأكثر – أصبح معروضاً أمام مملكة خليجية تجاوزت الصين والدول الغربية لتصبح الفاعل الخارجي الأول في القارة الأفريقية.

ولا يقل أهمية عن ذلك أن الانتفاضة الديمقراطية التي أطاحت بالدكتاتور عمر البشير عام 2019 – والتي كان يمكن أن تلهم الثوار في الخليجدُفنت في التراب الملطخ بدماء السودان.

كلمات جوفاء وإيماءات فارغة

خلال هذه الحرب التي شردت أكثر من 13 مليون شخص وأودت بحياة عشرات الآلاف، اكتفى السياسيون الغربيون برفع الأيادي والتعبير عن "القلق".

في وقت سابق من هذا العام، نشر ديفيد لامي، وزير الخارجية البريطاني آنذاك، تغريدة مثبتة على حسابه في منصة X قال فيها:
"
يجب ألا ننسى السودان".
وأرفقها بمقطع فيديو له يسير في صحراء تشاد بوجه متجهم.

بالنسبة لسياسيين مثل لامي، بدا السودان رهاناً دبلوماسياً آمناً: بلد أفريقي يحتاج المساعدة، وحرب لا تنخرط فيها بريطانيا أو أمريكا بعمق إلى جانب أي طرف.

لكن الحقيقة أن بريطانيا والولايات المتحدة والغرب عموماً مرتبطون بعمق بالإمارات، والإمارات بدورها مرتبطة بعمق بقوات الدعم السريع.
وهذا يعني أنه لم يُمارس أي ضغط فعّال على أبو ظبي لوقف تسليح الميليشيا، مما شلّ أي جهد حقيقي لإنهاء الحرب أو حتى تعليقها مؤقتاً.

تساءل لامي: أين "الغضب الليبرالي" إزاء السودان؟
لكنه لم يستطع أن يجيب عن سؤال واحد: ماذا عن تورط الإمارات العميق في الأزمة؟

تتوفر اليوم أدلة على أن معدات عسكرية بريطانية اشترتها الإمارات استُخدمت في السودان.

وفي نيسان / أبريل 2024، ألغت الإمارات اجتماعات مع وزراء بريطانيين لأنها غضبت من موقف لندن التي لم تسارع للدفاع عن أبو ظبي في اجتماع مجلس الأمن حول حرب السودان.

قال لي مصدر حكومي بريطاني إن طائرة وزير بريطاني كانت متجهة إلى الإمارات أُجبرت على العودة في منتصف الطريق. وأضاف المصدر أن بريطانيا لم تكن تنوي أصلاً التخلي عن الدفاع عن الإمارات.

خاتمة

واليوم، بينما يحاول الناجون من حصار الفاشر الذي دام أكثر من 500 يوم البقاء على قيد الحياة وسط المذبحة التي وصلت إلى أبوابهم، بينما تُعرض صور الأقمار الصناعية التي تكشف مساحات واسعة مغطاة بالدماء، ويواصل السياسيون الحديث عن "ميليشيات الإبادة" التي يجب أن "تحترم حياة المدنيين" – تذكّر شيئاً واحداً: لقد أفلتوا بفعلتهم... لأن لديهم أموالاً غير محدودة.


المصدر: Middle East Eye

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور