الخميس 23 تشرين أول , 2025 03:54

أزمة "إسرائيل" الدبلوماسية: فشل في السياسة لا في الدعاية

قطاع غزة

تُهيمن في "إسرائيل" اليوم سردية تُعلّق فشلها الدبلوماسي على ما تسميه "قصوراً في العمل الدعائي"، وكأن المشكلة تكمن في ضعف الترويج لا في السياسات نفسها. فمطلع الشهر الجاري، أقرّت الحكومة الإسرائيلية تخصيص 150 مليون شيكل إضافي لوزارة الخارجية بهدف تمويل نشاطات دعائية متصلة بحرب "السيوف الحديدية"، منها 90 مليوناً للحملات الإعلامية و60 مليوناً لاستقدام وفود دولية. وبما أن كل زيادة في بند تتطلب اقتطاعاً من آخر، جرى تقليص ميزانية مجلس التعليم العالي بالمقدار ذاته، ما يعني عملياً استبدال الإنفاق على المعرفة بالإنفاق على الدعاية.

تُكثر الأوساط الرسمية والإعلامية الإسرائيلية من الحديث عن "إخفاق دعائي" يزعم وجود عجز في تقديم تبريرات مقنعة للسياسات الإسرائيلية في غزة. غير أن هذه المقاربة تتجاهل جوهر الأزمة. كما كتب الصحافي نداف إيال في "يديعوت أحرونوت": "إسرائيل لا تعاني من مشكلة دعاية، بل من مشكلة جوهرية هي الأزمة الإنسانية وعدد الضحايا المدنيين". ويذكّر بأن تصريحات بعض الوزراء، وعلى رأسهم بتسلئيل سموتريتش، تكشف النية الحقيقية لاقتراف جرائم حرب، إذ قال الأخير إن غزة "ستُدمّر بالكامل" وإن على سكانها "البحث عن إعادة توطين في أماكن أخرى"، مضيفاً في مناسبة أخرى أن "احتلال غزة وضمها إلى إسرائيل" هدف قائم.

هذه اللغة الفجّة ليست هامشية، بل تُستثمر ضد إسرائيل دولياً. فقد ناقشت اللجنة الفرعية للسياسة الخارجية والإعلام في الكنيست موضوع "العزلة السياسية" عقب الحرب، وسط انتقادات لغياب ممثلي وزارة الخارجية. رئيس اللجنة أقرّ بأن "كل تصريح متطرف يُترجم ويُستخدم ضدنا"، مشيراً إلى ضرر مباشر تسببه تصريحات وزراء كإيتمار بن غفير وسموتريتش، مثل قول الأول "سنقيم حي فيلات في غزة" أو وصف الثاني القطاع بأنه "كنز عقاري".

في الجلسة نفسها، تطرّق مدير عام وزارة الثقافة والرياضة إلى المخاوف من استبعاد إسرائيل من اتحادات رياضية كـ"الفيفا" و"اليويفا"، معتبراً أن "المقاطعة الصامتة" أشد خطراً من القرارات العلنية. بينما حذّر ممثلو اتحاد الصناعيين من أن العزلة السياسية بدأت تنعكس على الاقتصاد الإسرائيلي، عبر تجاهل شركات إسرائيلية واستبعادها من المعارض الدولية.

وتتواصل المفارقة حين يشير ممثلو الأمن القومي إلى أن "العلاقات مع الدول الأهم" لا تزال جيدة، محاولين تفسير التراجع الدولي بأنه نتيجة "حملة نزع شرعية" ضد إسرائيل، لا بسبب أفعالها في غزة. لكن معطيات من معهد دراسات الأمن القومي تُظهر العكس: فخلال أشهر قليلة، تحولت أوروبا من داعمة إلى ناقدة، وصولاً إلى اعتراف فرنسا بدولة فلسطين. ويعلّق أحد الباحثين بأن إسرائيل "أحرقت الجسور، وأثبتت أنها نسيت معنى الدبلوماسية".

ورغم ضخ مئات ملايين الشواكل في جهاز الدعاية، تعترف الجهات المعنية نفسها بغياب التخطيط والكوادر. فـ"جهاز الدعاية الوطني" يتباهى بوصول رسائله إلى "سبعة مليارات شخص"، لكنه يفتقر إلى قيادة وهيكل مستقر. أما وزارة الخارجية فتنفّذ ما تسميه "حرباً على الوعي"، بميزانية تبلغ 545 مليون شيكل، لكنها ترى أن تأثيرها يضعف مع مرور الوقت ونسيان العالم لأحداث السابع من أكتوبر.

رئيس اللجنة البرلمانية اختتم الجلسة بنبرة متشائمة، داعياً إلى "الاعتراف بالأخطاء" وتنظيم صلاحيات الأجهزة الإعلامية. أما في صحيفة "هآرتس"، فكتب روعي شفارتس أن تحميل الفشل الدبلوماسي على ضعف الدعاية مجرّد هروب من الحقيقة، مستشهداً بخطاب للمعارض يائير لبيد أنكر فيه ارتكاب إسرائيل جرائم في غزة، قائلاً: "لم تكن هناك إبادة جماعية ولا نية للتجويع".

يرى شفارتس أن هذا الخطاب، المشترك بين المعارضة والائتلاف، يعكس "جدار إنكار" متيناً يمنع الاعتراف بمعاناة الفلسطينيين رغم الأدلة المتراكمة. ومع فتح القطاع أمام الصحافيين الأجانب، سيبدأ العالم برؤية ما حاولت إسرائيل إخفاءه، من قصص الضحايا إلى الفظائع المدفونة تحت الأنقاض. "لن تنجح أي حملة دعائية في مواجهة الحقيقة"، يختم الكاتب، مؤكداً أن الطريق الوحيدة للتعافي تمرّ عبر الاعتراف بما ارتُكب باسم إسرائيل.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور