الثلاثاء 09 أيلول , 2025 02:18

قراءة في عملية مفترق راموت: تحولات العمل المسلح في الضفة الغربية

جيل جديد من المقاومين يراكم الخبرات التي تسمح بتجاوز الرصد الأمني

شهدت مدينة القدس المحتلة صباح الاثنين 8 أيلول/سبتمبر 2025 عملية نوعية عند مفترق راموت، نفذها شابان فلسطينيان ضد جنود الاحتلال في محطة الحافلات المركزية. أسفرت العملية بحسب الاحتلال عن مقتل سبعة إسرائيليين وإصابة نحو خمسة عشر آخرين بينهم حالات حرجة، قبل أن يتمكّن "عنصر أمن" ومستوطن مسلح من قتل المنفذين. هذه العملية لا يمكن قراءتها كحادث منفرد، بل هي حلقة في سياق أوسع من التصاعد الميداني في الضفة الغربية، يعكس تحولات في تكتيكات الفعل المقاوم وفي توازن المواجهة مع الاحتلال.

تكتيك العملية ودلالاته

تفيد الروايات الإسرائيلية أن المنفذين، مثنى عمر ومهند طه من شمال غرب القدس، تمكّنا من التسلل إلى داخل القدس عبر ثغرة في الجدار الأمني مستخدمَين مساراً يُستغل عادة للعمال غير النظاميين. دخلا المدينة المحتلة خلال الساعات الأربع والعشرين التي سبقت العملية، مزوّدين ببندقيتين من طراز "كارلو"، ونفذا هجومهما داخل الحافلة وفي محيط المحطة المزدحمة.

يكشف هذا التكتيك أولاً عن معرفة المقاومين بالثغرات الأمنية، واستغلالها بحيث يكون هناك تضليل للأجهزة الاستخباراتية ومشاغلة لها وبالتالي لا تستطيع رصد أي إشارة. ثانياً، يبرز عنصر المفاجأة والمباغتة، حيث لم يقتصر الهجوم على إطلاق النار في موقع واحد، بل شمل أكثر من نقطة في مساحة محدودة، مما ضاعف الخسائر البشرية. وأخيراً، يحمل الهجوم رسالة بأن التحصينات الأمنية والانتشار العسكري الكثيف لا يشكلان عائقاً أمام استمرار العمليات ضد الاحتلال.

خلية منفردة أم منظمة؟

أشارت التقديرات الأولية للأجهزة الأمنية الإسرائيلية إلى أن المنفذين تصرفا كـ "خلية محلية" من دون انتماء تنظيمي مباشر. إلا أن معطيات موازية صدرت عبر قناة "كان" العبرية تكشف أن حركة حماس كثّفت مؤخراً محاولاتها لاستهداف مواقع الاحتلال وتحصيناته، مستغلة حالة الإنهاك التي يعانيها الجنود. هذا التباين بين الروايتين يعكس حرج المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي تسعى لتقليل الأثر المعنوي للهجوم عبر تصويره كفعل فردي غير منظم، فيما تتزايد المؤشرات على وجود تنظيم له. ولكن حتى لو كان عملاً فردياً فهذا لن يقلل من أهميته بل سيترك أثراً أكبر وهذا ما يدل على أن كل فرد فلسطيني جاهز لتنفيذ ما يتطلبه الدفاع عن الأرض منه.

وتؤكد العملية أن جيلاً جديداً من المقاومين في الضفة والقدس يراكم خبرات ميدانية تسمح له بتجاوز الرصد الأمني، والتحرك في خلايا صغيرة أو بشكل فردي، ما يجعل مواجهته أكثر تعقيداً.

خسائر الاحتلال والتداعيات الميدانية

أرقام القتلى والجرحى الصهاينة تجعل من العملية واحدة من أكبر الهجمات التي تستهدف العمق الإسرائيلي منذ سنوات. حيث تظهر المشاهد التي نقلتها وسائل الإعلام زجاج الحافلات المثقوبة بالرصاص وأجساد القتلى في الشوارع، ما ترك أثراً نفسياً بالغاً على المستوطنين والمؤسسة الأمنية.

ما دفع الاحتلال إلى ردّ فعل ميداني سريع عبر إغلاق مداخل القدس، وفرض طوق أمني شامل، إضافة إلى اقتحام بلدات شمال غرب القدس مثل قطنة، وفرض حظر تجول استثنائي في محيط قريتي المنفذين. هذا النمط من العقوبات الجماعية يعكس مأزق الاحتلال: فهو عاجز عن منع تكرار العمليات، ويلجأ إلى إجراءات عقابية تزيد من مشاعر الغضب والدافع للمواجهة.

كما ألغى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عقب العملية مشاركته في جلسة محاكمته الجنائية للالتحاق بمكان العملية. حيث تسببت العملية بإرباك الاحتلال وهذا ما برز في الخطاب الإسرائيلي الرسمي الذي تدرج بين محاولة ضخ المعنويات والتعتيم وغض النظر عما جرى، والدعوات المتطرفة "لإبادة القرى الفلسطينية" كما صرح سموتريتش.

هذا التناقض يعكس صعوبة الموازنة فهناك استعراض للقوة داخلياً بينما واقعاً هناك عجز أمام هذا النوع من العمليات. كما أن تزامن العملية مع فترة الأعياد اليهودية زاد من قلق المؤسسة الأمنية، التي تخشى سلسلة هجمات متتابعة قد تعمّق الشعور بعدم الأمان لدى المستوطنين.

موجة جديدة من العمل المسلح؟

تتفق معظم القراءات أن عملية راموت شكلت مؤشراً على تصاعد العمل المسلح في الضفة والقدس. فمع استمرار الحرب في غزة واستنزاف الجيش هناك، وتفاقم الاستفزازات اليومية في الضفة، تم تحضير بيئة خصبة لتكرار عمليات مشابهة. ونقلت قناة "كان" العبرية أن "الجيش رصد بالفعل محاولات متزايدة من حماس للوصول إلى مواقع الجنود"، في وقت يرى فيه الاحتلال أن كل عملية ناجحة تهدف إلى إضعاف إرادته الاستراتيجية وإطالة أمد المواجهة.

إذن، الأرجح أن نشهد في المرحلة المقبلة تصاعداً في الهجمات المحلية، سواء نفذت بغطاء تنظيمي وتم تبنيها بشكل مباشر أو عبر مبادرات فردية، ما يعني أن الاحتلال يواجه تحدياً مضاعفاً "خصم منظم" في غزة، وفي الوقت نفسه مقاومة مرنة داخل الضفة يصعب ضبطها.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور