شكلت تفجيرات الأجهزة اللاسلكية في 17 و18 أيلول/سبتمبر 2024 واحدة من أخطر الاعتداءات التي استهدفت المقاومة وتجاوزت كونها استهدافاً لحزب الله وحده، لتطال بيئته ومجتمعه بالكامل، ومثلت جريمة ضد الإنسانية والأخلاق. هذه التفجيرات أظهرت حجم الحقد الذي يحمله العدو، ليس فقط تجاه البنية العسكرية للحزب، بل تجاه المدنيين الذين يشكلون البيئة الحاضنة للمقاومة. وكانت هذه الجريمة بمثابة تحدي للقطاع الصحي في لبنان حيث اكتظت المستشفيات بالجرحى والمصابين الذي بلغ عددهم بالآلاف.
استنفار شامل للأطباء
أسفرت التفجيرات عن ارتقاء 37 شهيداً وآلاف الإصابات، معظمها إصابات بالغة ومعقدة في العيون واليدين. حيث فقد العديد من المصابين عيناً واحدة أو كلتا العينين، ما استدعى تدخل أطباء العيون بشكل عاجل ومتواصل. كذلك، كانت إصابات اليدين خطيرة وتطلبت جراحات دقيقة وترميمية للحفاظ على وظائف الأطراف. طبيعة الإصابات وارتفاع عدد الجرحى دفع القطاع الصحي إلى استنفار شامل لجميع التخصصات الطبية، من جراحة عامة وعظام إلى عناية مركزة وإعادة تأهيل، لضمان معالجة كل حالة بأعلى مستويات الدقة، مع تفادي أي مضاعفات طويلة الأمد. هذا الكم الهائل من الإصابات، إلى جانب شدة وطبيعة الجروح، شكل اختباراً حقيقياً لكفاءة القطاع الصحي وقدرته على التعامل في حالة الحرب مع المجازر الكبرى.
دور المستشفيات التابعة لحزب الله
لعبت المستشفيات التابعة لحزب الله دوراً محورياً في إدارة الأزمة، وعلى رأسها مستشفى الرسول الأعظم في الضاحية الجنوبية لبيروت ومستشفى الشيخ راغب حرب في النبطية جنوب لبنان. مستشفى الشيخ راغب حرب استقبل جرحى التفجيرات تحت ظروف استثنائية، حيث كان الجنوب يواجه قصفاً مكثفاً منذ انطلاق جبهة الإسناد لقطاع غزة واشتدت خلال الأسبوع الذي سبق التفجيرات، ما وضع الطواقم الطبية أمام تحدٍ مزدوج: التعامل مع الإصابات المعقدة وفي الوقت نفسه حماية المرضى والطواقم من القصف المباشر. بالمقابل، استقبل مستشفى الرسول الأعظم في الضاحية أعداداً كبيرة من الجرحى، رغم تعرض الضاحية نفسها للاعتداء أيضاً، ما أظهر قدرة عالية على التنظيم وإدارة الأزمات تحت الضغط. هذه المستشفيات لم تقتصر مهامها على استقبال الحالات الطارئة، بل استمرت في تقديم الرعاية الطبية للجرحى الذين كانوا يصابون على جبهات الحافة الأمامية نتيجة عمليات الإسناد لقطاع غزة، ما عكس قدرة الاستمرارية والكفاءة لدى القطاع الصحي. مع الإشارة إلى الدور الثمين للجمهورية الإسلامية الإيرانية حيث نقلت الكثير من الجرحى لتلقي العلاج في مستشفياتها وكذلك العراق.
الهيئة الصحية الإسلامية وطواقم الطوارئ
إلى جانب المستشفيات، لعبت الهيئة الصحية الإسلامية وطواقمها دوراً أساسياً في نقل المصابين من المناطق التي حدثت فيها التفجيرات إلى المستشفيات بأمان، بما في ذلك المناطق الخطرة جداً واستمر عملهم على هذا النحو طيلة أيام الحرب. جهود الطواقم لم تقتصر على النقل، بل شملت تقديم الإسعافات الأولية الحاسمة، تقييم الإصابات، وترتيب الأولويات الطبية قبل وصول الجرحى إلى غرف العمليات. هذا الدور كان محفوفاً بالمخاطر، وأسفر عن ارتقاء عدة شهداء من صفوف الطواقم، ما يعكس التضحيات المباشرة التي قدمتها هذه الهيئة لضمان إنجاح عمل القطاع الصحي في مواجهة الحرب. تنسيق الهيئة مع المستشفيات أتاح استيعاب أعداد كبيرة من الجرحى بطريقة منظمة، مع ضمان تقديم الرعاية الدقيقة لكل حالة، ما ساهم في الحد من فقدان الأرواح وتقليل المضاعفات الصحية طويلة الأمد.
أثر القطاع الصحي في تعافي المجتمع وبيئة المقاومة
نجاح المستشفيات وطواقم الهيئة الصحية في التعامل في التعامل مع تفجيرات البيجر والحرب كان له أثر مباشر على بيئة المقاومة والمجتمع المحلي، إذ ساهم في استقرار الأوضاع الصحية والنفسية بعد الاعتداءات. كما أن قدرة القطاع الصحي على التعامل مع كم هائل من الإصابات المعقدة، ونقل المصابين من المناطق التي كان يعمد العدو إلى استهدافها بشكل متكرر مع تقديم الرعاية الدقيقة، عززت ثقة المجتمع بقدرة مؤسسات حزب الله الصحية على الصمود والتكيف مع الأوضاع بما فيها الحروب. وبرغم عملها الإنساني والرسالي لم تسلم هذه الطواقم من الاستهداف وارتقى العديد من مسعفيها شهداء وتعمد العدو استهداف المراكز التابعة لهم لا سيما في الجنوب للحد من قدرتهم على إسعاف وإنقاذ المقاومين والمدنيين، ما أثبت أن هذه الطواقم كانت عنصراً أساسياً في صمود المجتمع وتعافي البيئة الحاضنة للمقاومة، وعكس تكاملها مع البنية الاجتماعية والأمنية لحزب الله.
الكاتب: غرفة التحرير