الخميس 18 أيلول , 2025 03:21

القتل المَقَنّن في معركة أولي البأس: كيف تشرعن الخوارزميات استهداف المدنيين

جنود إسرائيليون وفرق اسعاف لبنانية

لم يكن الذكاء الاصطناعي مجرد أداة مساعدة في معركة أولي البأس، بل كان مكوّنًا مؤسّسًا في عقيدة القتال. فتحوّلت ساحة المعركة إلى نظام متكامل من جمع البيانات، تصنيف البشر والهياكل، وتوليد ضربات بشكلٍ شبه صناعي، حيث تُقَدَّم السرعة والكميّة كمعيارين للنجاح على حساب التأكد الإنساني والتمييز القانوني. هذا التحوّل يهدّد الأمن الإقليمي ويطرح إشكاليات أخلاقية وقانونية جسيمة يجب مواجهتها على مستوى استراتيجي وعملي، والأهم من ذلك يجب العمل على فهم المخاطر الأمنية للذكاء الاصطناعي لمواجهتها فرديًا، ومجتمعيًا من خلال التوعية الأمنية حول الحماية المدنية.  

كيف عملت منظومات الذكاء الاصطناعي في الحرب على لبنان

العمود الفقري لهذا التحوّل هو تكامل منصّات متعدّدة:

- أنظمة تصنيف الأفراد "لافندر": نظام توصية يعطي كل شخص درجة احتمال (1–100) بأنه مسلّح، ويحوّل العتبة النقطية إلى توصية استهداف. خلال حرب سابقة استُخدِم لإنتاج قوائم واسعة من الأهداف، وهو نفس المنطق الذي طُبّق ضد أهداف في لبنان لتحديد المسؤولين وتفجير نقاط تمثل قيمة أمنية.

- منصّات هيكلية "حبسورا/الإنجيل": يحلل صور الأقمار والطائرات المسيرة لتوليد أهداف بنيوية - من مخازن إلى أبراج سكنية - ويقترحها كأهداف عملية. هذا التحليل سمح بتوسيع مفهوم "الهدف العسكري" ليشمل منشآت مدنية.

- توقيت الضربات "أين أبي؟": يدمج بيانات تتبّع الهواتف مع قواعد عناوين ليُنَبّه متى يدخل الهدف منزله، ما سهّل ضرب المنازل ليلاً مع ارتفاع مخاطر سقوط أسر بأكملها.

- شبكات المراقبة البيومترية - أنظمة "الذئب": كاميرات ونُظم تحميل صور تُغذّي قواعد بيانات ضخمة، فتحوّل كل فرد إلى "بصمة رقمية" قابلة للبحث والربط عبر خوارزميات الشبكات الاجتماعية الاستخبارية.

- مصانع القصف - "مصنع النار" وأنظمة التخطيط المؤتمتة: تحوّل توصيات الاستهداف إلى خطط تكتيكية (كمية الذخيرة، جدولة الطائرات، طريقة التنفيذ) في دقائق بدل ساعات. هذا الاختصار الزمني يضغط ليُلغِي فعليًا مراجعات الضمان البشري.

نتيجة تكامل هذه الأنظمة كانت حربًا سريعة الوتيرة، عالية الكثافة، قابلة للتكرار على نطاقٍ واسع، ولكنها أيضًا أقلّ تمييزًا وأكثر عرضة للأخطاء الجماعية المدمّرة.

آثار محددة على المعركة ضد لبنان

- توسع بنك الأهداف وانحسار التمييز: ما كان يُعتبر عناصر قيادية أو أهدافًا محددة صار يُوسّع إلى آلاف أسماء وبنى تحت عتبة "الاحتمال"، ما أدّى إلى زيادة في الضربات الاستباقية والاغتيالات الدقيقة التي لم تراعَ دائمًا ظروف الحيّز المدني.

- إضعاف دور المراجعة البشرية: المراجعات المختصرة (ثوانٍ معدودة) حول توصيات الذكاء الاصطناعي تُحوِّل "فريق الإنسان والآلة" إلى ختم شكلي، ما يرفع مسؤولية الخطأ الجماعي ويقلّل المساءلة الأخلاقية.

- الحرب النفسية والمعرفية: إلى جانب الضربات المادية، تُستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي للتزييف العميق وتحليل المشاعر وتوجيه رسائل مخصّصة تهدف لإضعاف الروح المعنوية أو خلق انقسام داخلي - ما يُحوّل الساحة الإعلامية إلى جبهة قتال ثانية.

- تصاعد الأخطاء الإحصائية: اعتماد معايير قبول "هامش خطأ" إحصائي (مثلاً قبول معدل خطأ ~10% كنفقات مقبولة) يجعل من الخسائر المدنية "تكلفة" مقبولة ضمن ميزانية العمليات، وهو تحوّل أخلاقي وقانوني خطير.

توصيات للتوعية الأمنية والحدّ من المخاطر

الحماية الرقمية

- تقليل البصمة الإلكترونية: تجنّب مشاركة المعلومات الشخصية أو الصور أو المواقع الجغرافية عبر الإنترنت أو التطبيقات غير الموثوقة.

- إدارة الأجهزة الذكية: تعطيل خاصية تحديد الموقع (GPS) إلا عند الحاجة القصوى، وتجنّب حمل الهواتف إلى الأماكن الحساسة أو التجمعات.

- التطبيقات المشبوهة: الامتناع عن تنزيل تطبيقات غير معروفة قد تجمع بيانات وتُرسلها إلى خوادم معادية.

- تغيير الروتين الرقمي: استخدام شبكات آمنة، وتغيير كلمات المرور دوريًا، وعدم استخدام حسابات عامة لمراسلات خاصة.

الحماية الميدانية

- الوعي بالكاميرات: افترض أن هناك مراقبة مستمرة عبر الطائرات المسيّرة والكاميرات الذكية، وتجنّب الحركات أو التجمعات التي قد تُفسَّر عسكريًا.

- إدارة الحركة: لا تعتمد دائمًا مسارات ثابتة للتنقّل، فالتكرار يسهل على الأنظمة الخوارزمية التعرّف على النمط.

- تجنّب التجمعات غير الضرورية: كلما قلّت الكثافة البشرية في مكان ما، صعُب على الخوارزميات تبريره كهدف "ذي قيمة".

الأمن المعلوماتي داخل المجتمع

- الوعي الجماعي: نشر ثقافة الحذر في استخدام الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا بين الشباب.

- تجنّب الإفصاح عن علاقات شخصية أو عائلية: الخوارزميات تربط العلاقات لتحديد شبكات اجتماعية، ما قد يوسّع دائرة الاستهداف.

- مقاومة التضليل: التحقق من الأخبار والرسائل قبل تداولها، إذ قد يستخدم العدو الذكاء الاصطناعي في إنتاج محتوى زائف (Deepfake) لتفكيك الثقة المجتمعية.

التعامل مع الرسائل النفسية والمعرفية

- وعي بالحرب الإعلامية: إدراك أن الصور والفيديوهات المفبركة قد تُنتج بخوارزميات لإضعاف المعنويات.

- التحقق الجماعي: تبنّي عادة التشاور داخل العائلة أو المجتمع قبل تصديق الشائعات.

- التحصين النفسي: التمسك بالخطاب الإيجابي وتعزيز الروح الجماعية كأداة دفاعية أمام محاولات الإرباك.

التعاون مع الجهات المحلية

- الإبلاغ الفوري: عند رصد طائرات مشبوهة، أجهزة إلكترونية غير مألوفة، أو تطبيقات مريبة.

- المشاركة في دورات التوعية: الانخراط في ورش أو محاضرات حول الأمن الرقمي والميداني التي تنظمها الجهات المحلية.

- تبادل الخبرات: مشاركة التجارب والخبرات الأمنية بين العائلات والأحياء.

تشريعات وحوكمة دولية

- الدعوة إلى اتفاقات إقليمية ودولية تقيِّد استخدام أنظمة تحديد الأهداف الآلية ضد السكان المدنيين أو دون تحقق بشري فعّال.

- فرض معايير تصنيف أخلاقي للأنظمة العسكرية مثل قواعد استخدام "Lethal AI"، وعقوبات على استخداماتها في انتهاك واضح للقانون الإنساني الدولي.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور