يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة رئيسها دونالد ترامب، اختارت نوعاً جديداً من الحروب، لإظهار غطرستها وهيمنتها على العالم، وهي ما أسمته الحرب ضد جماعات "الإرهاب المرتبط بالمخدرات"، لكنه في الواقع هو الاعتداء على سيادة وحرية واستقلال فنزويلا.
وفي سياق هذه الحرب، نشرت أمريكا سفنا حربية في جنوب البحر الكاريبي، وبالتزامن أعلنت عن مضاعفة المكافأة المخصصة للقبض على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى 50 مليون دولار (الرئيس المنتخب من قبل الشعب الفنزويلي). لهذا كان من حق فنزويلا اعتبار هذه التحركات العسكرية الأمريكية بمثابة اعتداء على سيادتها وتهديدا مباشرا لأمنها، فيما تزعم واشنطن إن عملياتها تستهدف مكافحة المخدرات والإرهاب.
ووقعت بعض الوقائع التي تشي بإمكانية تدهور الأوضاع في تلك المنطقة الجيوستراتيجية، والتي لم يخف ترامب طمعه بها وبالسيطرة عليها (خاصةً قناة بنما، وخليج المكسيك المجاور لها والذي أطلق عليه اسم خليج أمريكا).
وأولى هذه الوقائع ما حصل في مطلع الأسبوع الماضي، عندما شنّت أمريكا غارة جوية على قارب انطلق من فنزويلا، ما أدى إلى مقتل 11 شخصا على متنه، وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه كان محمّلا بالمخدرات ومتجها إلى بلاده. ثم بعدها بيومين، أعلنت وزارة الحرب الأميركية (البنتاغون) أن طائرتين مقاتلتين فنزويليتين من طراز "إف-16" حلّقتا، فوق مدمرة تابعة للبحرية الأميركية في البحر الكاريبي، واصفة ما جرى بـ "خطوة استفزازية للغاية". ووجّه البنتاغون رسالة غير دبلوماسية إطلاقاً للدولة الفنزويلية قائلاً "ننصح العصابة التي تدير فنزويلا بعدم القيام بأي جهد إضافي لعرقلة أو ردع أو التدخل في عمليات مكافحة المخدرات ومكافحة الإرهاب التي ينفذها الجيش الأميركي".
مادورو: سننتقل إلى مرحلة الكفاح المسلح!
وبعد هذه التطورات، أعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بشكل حازم، أن بلاده ستنتقل إلى مرحلة الكفاح المسلح إذا تعرضت لأي هجوم أميركي. وقال الرئيس الفنزويلي، خلال اجتماعه مع قادة عسكريين في العاصمة كاراكاس، لبحث تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب "نحن حاليا في مرحلة كفاح غير مسلح، وهي مرحلة سياسية واتصالية ومؤسساتية. لكن إذا تعرضت فنزويلا لهجوم، فإننا سننتقل إلى مرحلة الكفاح المسلح". مضيفاً "نحن صانعو سلام، لكننا أيضا أمة محاربين. لا يمكن لأحد أن يستعبدنا. يجب على أمريكا أن تتخلى عن خططها لتغيير النظام في فنزويلا بالعنف"، ومؤكدا أن بلاده منفتحة دائما على الحوار والمفاوضات شريطة أن تُحترم إرادة الشعب الفنزويلي.
فما هي أبرز جوانب تطوّرات ما يحصل في هذه المنطقة؟
_ لأمريكا أطماع بنفط فنزويلا منذ أوائل القرن 20 عندما تم اكتشاف النفط بها بكميات ضخمة. وقد أصبحت فنزويلا محط اهتمام كبريات شركات الطاقة الأميركية التي سيطرت على ثروة البلاد من النفط لعقود طويلة، لكن الحكومة الفنزويلية أممته عام 1976. ومنذ ذلك الوقت شهدت البلاد تدهورا اقتصاديا كبيرا وعدم استقرار سياسي، إلى أن وصل سدة الرئاسة الرئيس الراحل هوغو شافيز عام 1998، فاقتربت فنزويلا من روسيا والصين وإيران وكوبا أي الدول المناهضة لأمريكا، واتبعت حكوماته في حينه سياسات اشتراكية يسارية حتى وفاته عام 2013.
_خلف نيكولاس مادورو الرئيس شافيز، متبعاً خط سلفه الاشتراكي، فزاد الاقتصاد تدهورا بسبب الحصار الأمريكي وزادت عزلة البلاد. ولم تكتف واشنطن بالحصار، بل حاولت تدبير انقلاب مدني وعسكري على مادورو، ودعمت محاولة اغتياله وكادت تشن حرباً عسكرية مباشرة على البلاد، إلا أنها كل محاولاتها قد باءت بالفشل الذريع.
_في 2020 لفّقت وزارة العدل الأميركية تهمةً للرئيس مادورو بتجارة المخدرات وتهريبها إلى الولايات المتحدة وبغسل الأموال. وفي كانون الثاني / يناير الماضي -وقبل مغادرته للبيت الأبيض- وضع الرئيس جو بايدن وإدارته مكافأة 15 مليون دولار "للقبض على مادورو".
_ اتهمت إدارة الرئيس دونالد ترامب فنزويلا بتسهيل دخول ملايين المهاجرين غير النظاميين إلى الأراضي الأميركية، زاعمةً بأن كاراكاس ترسل إليهم المجرمين والمختلين عقليا من أجل الإضرار بهم، إضافة إلى مزاعم رعاية نظام مادورو لـ "تجارة المخدرات القاتلة عبر جزر وممرات مائية في البحر الكاريبي أو من خلال التهريب البري عن طريق المكسيك".
_ بعد حادثة قصف الإدارة الأمريكية للقارب وقتل 11 شخص فنزويلي، دون إبراز أي دليل يؤكّد صحة مزاعمها حول ارتباطهم بتجارة المخدرات. قام الرئيس مادورو بالإيعاز لنشر القوات على طول سواحل البلاد وحدودها، وحث المدنيين على الانضمام إلى المليشيات، في الوقت الذي أكّد فيه على أنه مستعد للرد على الانتشار البحري الأميركي.
_ احتمال نشوب حرب عسكرية مباشرة بين الدولتين مستبعدة جداً في الوقت الحالي لعدة أسباب أهمها:
1)إدراك إدارة ترامب أن أي تدخل عسكري في فنزويلا سيكون "خطأ فادحا"، لأنه سيواجه بمقاومة مسلحة قوية، ولن يحظى بشعبية في الداخل الأميركي لأنه سيتعارض مع موقف ترامب المعلن بعدم التدخل في حروب برية جديدة.
2)قد يؤدي هكذا صراع عسكري الى دخول أطراف دولية - مثل الصين- ستكون مهتمة جداً بإغراق أمريكا في مستنقع عسكري، ما يمنع الأخيرة من التدخل العسكري المباشر في ساحات أخرى.
الكاتب: غرفة التحرير