شهد الأسبوع الثاني من تموز/يوليو 2025 تصاعدًا ملحوظًا في التحليلات الإسرائيلية بشأن التغيرات في الوضع الإقليمي لحزب الله، خصوصًا في أعقاب زيارة المبعوث الأميركي توم باراك إلى لبنان وسوريا، وتبدل نبرته حيال الحزب. تأتي هذه التحليلات في ظل تداخل الاعتبارات العسكرية والسياسية والدبلوماسية، وسط محاولات إقليمية لإعادة رسم خريطة النفوذ في لبنان بعد الحرب الأخيرة مع الكيان المؤقت في أيلول العام الماضي.
- إعادة تموضع لا تراجع: أشارت تقارير لجيش الاحتلال بأن حزب الله لم يتراجع عن الحدود، بل أعاد تموضعه داخل نطاق 500 متر، ما يمكّنه من الاستمرار في نشاطاته تحت مستوى التصعيد الكامل. وتُقدّر الاستخبارات الإسرائيلية أن الحزب يواصل خرق وقف إطلاق النار بمعدل سبع مرّات يوميًا. ويُنظر إلى هذه الخروقات كجزء من محاولة الحزب اختبار حدود الردع الإسرائيلي واستعادة زمام المبادرة تدريجيًا. في المقابل، يتركّز الرد الإسرائيلي على ضربات جوية دقيقة تستهدف غرف قيادة ومخازن سلاح في جنوب لبنان، دون الانجرار إلى تصعيد شامل، كم يواصل الكيان تعزيز جهوزيته وبناء قدراته الدفاعية عبر سيناريوهات متقدمة تشمل إدارة الحرب من مراكز قيادة بديلة.
- إعادة بناء وترميم قدرات حزب الله: رغم الخسائر التي تكبدها، يسعى حزب الله إلى ترميم بنيته العسكرية عبر إعادة هيكلة "قوة الرضوان"، التي كانت محورًا رئيسيًا في تهديد العمق الإسرائيلي خلال الأعوام الماضية.
- باراك وإشكالية نزع السلاح: سلّط تحليل تايمز أوف إسرائيل الضوء على خطأ جوهري في خطاب توم باراك، الذي وصف حزب الله بأنه "حزبًا سياسيًا له جناح عسكري"، وهو ما يتعارض مع الموقف الإسرائيلي والأميركي الرسمي، الرافض لأي فصل بين الجناحين. دفع هذا التصريح وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى إصدار توضيح يعيد التأكيد على أن حزب الله كيان واحد، مسلح، ويشكل تهديدًا مباشرًا. كما قبل باراك الحجة اللبنانية بأن نزع سلاح الحزب قد يؤدي إلى حرب أهلية، داعيًا إلى "عملية تدريجية" عبر حوار لوضع "استراتيجية دفاع وطني"، وهي صيغة غامضة يُنظر إليها في الكيان على أنها تكريس لوضع الحزب الحالي لا تغييره. والخطورة الأكبر في تصريحات باراك تمثّلت في تلميحه إلى أن سوريا قد تسعى لضم لبنان، باعتباره "منتجعًا صيفيًا" وامتدادًا لبلاد الشام، حيث استغل حزب الله هذا التصريح في خطابه الإعلامي الداخلي، ليصوّر الموقف الأميركي على أنه مؤامرة لتسليم لبنان للشرع الإسلامي السني، ما أثار مخاوف الأوساط المسيحية والشيعية، وعزز من خطاب الحزب كمدافع عن السيادة الوطنية. ورغم محاولات باراك لتصحيح أقواله لاحقًا، إلا أن التحليلات ترى أن تصريحاته المرتجلة قد تُقوّض مساعي التطبيع الإقليمي، وتمنح الحزب مادة سياسية لتبرير استمرار التسلح.
- الضغوط اللبنانية الداخلية والبعد الإقليمي: سلّطت التحليلات العبرية الضوء على امتناع حزب الله عن الرد على الغارات الإسرائيلية رغم الأضرار الكبيرة التي لحقت ببنيته عام 2024، ما يُعزى إلى ضغوط لبنانية داخلية مكثفة، سواء من الدولة أو من المزاج الشعبي. وتقاطع هذا الكبح المحلي مع دور إقليمي يضم إسرائيل، السعودية، الولايات المتحدة وفرنسا، في محاولة لإرساء ترتيبات أمنية جديدة في لبنان وسوريا.
تكشف مجمل التعليقات العبرية أن تغيّر خطاب باراك تجاه حزب الله أخلّ بالتوازن التقليدي في الموقف الأميركي، ووفّر للحزب فرصة لإعادة ترسيخ حضوره كطرف سياسي وأمني محوري في الداخل اللبناني. ونتيجة لذلك، ركّزت هذه التعليقات على ضرورة حفاظ الكيان على توازن دقيق بين الضغط العسكري والاستعداد لتصعيد محتمل، مع التأكيد على أن مسار التطورات الميدانية والدبلوماسية سيظل مشروطًا بقدرة واشنطن على إدارة خطابها بفعالية، وبمدى تماسك الموقف اللبناني الداخلي، وإلّا فإن حزب الله سيستمر في تعزيز تموضعه على المستويين السياسي والعسكري في المدى المنظور.