في أعقاب الجولة الأخيرة من العدوان الإسرائيلي الأمريكي على إيران، ومع انخراط الولايات المتحدة في الضربات على منشآت نووية إيرانية، تبرز تساؤلات حيوية حول التداعيات بعيدة المدى على أمن الطاقة والممرات البحرية في المنطقة. ورغم أن وتيرة الحرب قد هدأت حالياً، إلا أن آثارها لا تزال ماثلة، خاصة على مستوى التهديدات المحتملة لمضيق هرمز، الشريان الحيوي الذي تمرّ عبره أكثر من ثلث صادرات النفط العالمية المنقولة بحراً. يركّز المقال الذي نشره موقع "ذا واشنطن انستتيوت" وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، على المخاطر التي تلوح في الأفق، والتي قد تتجدد في حال استئناف الحرب، مثل احتمال رد إيران على السفن التجارية أو البنى التحتية الطاقوية، ما من شأنه أن يهدد استقرار الأسواق ومشاريع التحوّل الاقتصادي في الخليج لا سيما التي يستثمر بها الأميركي. كذلك، يشير إلى المشاريع المشتركة بين دول الخليج والولايات المتحدة في مجالات الطاقة والتكنولوجيا، والتي تعتمد على بيئة إقليمية آمنة ومستقرة لذا أي رد إيراني قد يؤدي إلى تعطيلها.
النص المترجم:
بالنسبة للدول الإقليمية التي تسعى لتحويل اقتصاداتها وتعزيز شراكاتها مع الولايات المتحدة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، يشكّل الصراع مخاطر قد تُحدث تداعيات واسعة في الاقتصاد العالمي.
حتى الآن، لا تزال حركة الملاحة التجارية مستمرة، رغم أن بعض السفن غيرت مسارها. وفيما ردّت إيران في 23 يونيو على الضربة الأميركية لمواقعها النووية بقصف قاعدة العديد الجوية في قطر، حيث أدى الرد إلى تراجع حاد في أسعار النفط. لكن خطر استهداف مصالح الطاقة والملاحة سيبقى قائماً في حال توسع النزاع. وعلى الرغم من أن الاهتمام العالمي يركّز بحق على تدفقات الطاقة من الخليج، فإن السؤال الأوسع يتمثل في الكيفية التي يمكن أن تؤثر بها الصراعات الإقليمية المستمرة على أمن الطاقة والازدهار الاقتصادي، وما قد تتركه هذه الديناميات من أثر على الأسواق العالمية. وقد سلطت زيارة الرئيس ترامب إلى الخليج في مايو – والتي أسفرت عن توقيع عدة اتفاقيات في مجالي الطاقة والتكنولوجيا – الضوء على حجم هذه الفرص والتحديات المرتبطة بها.
الشراكات في مجالي التكنولوجيا والطاقة تتطلب الاستقرار
لم يكن مفاجئاً أن تدين كل من السعودية والإمارات الهجمات الإسرائيلية على إيران. فمنذ أن فجّرت "مجزرة" حماس في أكتوبر 2023 حرباً إقليمية شاملة، عملت الدولتان الخليجيتان على تجنيب نفسيهما أي تداعيات تتعارض بشكل مباشر مع رؤيتهما الاقتصادية، وخططهما في مجالي الطاقة والتكنولوجيا. وحتى في البحر الأحمر، حيث تسببت هجمات الحوثيين في اضطرابات كبيرة لحركة التجارة العالمية، اختارت الرياض وأبو ظبي البقاء في الهامش. لكنّهما لا تستطيعان تجاهل تبادل الضربات الجوية فوق الخليج، وتدركان أن حرباً طويلة الأمد، قد تخلّف تداعيات مباشرة على الداخل.
في 17 يونيو، حين كانت إيران و"إسرائيل" تتبادلان الضربات المميتة دون أن تكون الولايات المتحدة قد دخلت الحرب بعد، شدّد وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي سلطان أحمد الجابر، على دعم بلاده لـ "السلام لا الاستفزاز والتقدم من خلال الشراكة، ولا شيء سوى الشراكة". جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال "منتدى الطاقة العالمي" الذي نظمه "المجلس الأطلسي" في واشنطن، وقد خصص الجزء الأكبر من خطابه للعلاقة المتزايدة بين قطاعي الذكاء الاصطناعي والطاقة، وهي علاقة لطالما حظيت باهتمام واسع في النقاشات الأميركية الإماراتية.
تسعى الولايات المتحدة بشكل عام إلى تعزيز ريادتها العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال شراكات دولية. وفي هذا السياق، تطمح كل من الإمارات والسعودية، في إطار مساعيهما لتحويل اقتصاديهما، إلى أن تكونا مركزين إقليميين للذكاء الاصطناعي وشريكين في الجهد الأميركي بهذا المجال. وخلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مايو الماضي، وقع البلدان اتفاقات مع شركات أميركية رائدة شملت مجالات متعددة منها توسيع إنتاج النفط، والتعاون في الغاز الطبيعي المسال، وحلول الذكاء الاصطناعي في قطاع الطاقة.
لكنّ نجاح هذه الشراكات مرهون بالاستقرار، لا سيما في منطقة الخليج. وتزداد أهمية هذا الاستقرار في ظل الضغوط القائمة على ممرات مائية إقليمية أخرى مثل البحر الأحمر، الذي يشكل شرياناً حيوياً للتجارة والطاقة والترابط العالمي.
في حال تفاقم الوضع الإقليمي المتقلب، ستواجه دول الخليج مجموعة من التحديات بينما تواصل مساعيها لتحويل اقتصاداتها.
إذا قرّرت إيران التصعيد مجدداً، فقد تلجأ إلى تكرار هجمات مشابهة ضد سفن تجارية مرتبطة بالولايات المتحدة، بينما تسمح في الوقت ذاته لبقية السفن التجارية بالإبحار بشكل طبيعي. بل إن مجرّد تهديد لفظي من طهران قد يكون كافياً لدفع بعض السفن الضعيفة أو الحساسة إلى تعليق عبورها نحو الخليج.
أما الحوثيون في اليمن، والذين أثبتوا استعدادهم العالي لتحمّل المخاطر في حملاتهم الأخيرة، فقد يعمدون إلى توسيع نطاق هجماتهم البحرية دعماً لإيران. فقبل الضربات الأميركية في 21 حزيران/يونيو، كانوا قد هدّدوا باستهداف السفن الأميركية مجدداً في حال نُفّذت أي ضربات ضد طهران. وفي ظل البيئة الإقليمية عالية المخاطر، قد يتعقّب الحوثيون سفناً تجارية يعتبرونها مرتبطة بالولايات المتحدة أو "إسرائيل"، ويستهدفونها في مياه مثل بحر العرب.
وقد لوحظ أن بعض السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن لا تزال تبادر إلى التعريف بمالكها وجنسية طاقمها ومصدر شحنتها من خلال نظام التعريف الآلي، تعبيراً عن وعيها بسيطرة الحوثيين المتواصلة على مضيق باب المندب. وتشمل هذه السفن تلك المرتبطة بالصين وروسيا، حيث يُقصد من هذه الإشارات تمرير رسالة إلى الحوثيين بعدم استهدافها. ومن الممكن أن يشهد الخليج الفارسي اتجاهاً مشابهاً في ظلّ مخاوف من أن يشمل الردّ الإيراني المجال البحري. كذلك، وبحسب تطورات النزاع، قد يعاود الحوثيون تهديدهم بضرب منشآت الطاقة في السعودية، وأي ضربة ناجحة في هذا السياق من شأنها أن تزيد من اضطراب سوق النفط العالمي.
إغلاق مضيق هرمز سيهزّ المنطقة والأسواق
لا يمكن تجاهل احتمال أن تُقدِم إيران على إغلاق مضيق هرمز، نظراً لما قد يخلّفه هذا القرار من تداعيات كبيرة، رغم أن طهران لوّحت بهذا التهديد مراراً في السابق دون أن تنفّذه. إذ تعتمد كل من السعودية، والإمارات، وسائر مصدّري النفط والغاز في الخليج بشكل كبير على هذا الممر الحيوي، وحتى إغلاق مؤقت له سيُربك اقتصاداتهم ويُحدث اضطرابات في الأسواق العالمية. ومن اللافت أن إيران نفسها تعتمد على المضيق لتصدير نفطها، ولا تزال تقوم بذلك رغم التصعيد العسكري القائم، إذ تُظهر بيانات شركة "كيبلر" المتخصصة في معلومات السوق أن طهران حمّلت نحو 2.2 مليون برميل يومياً من النفط الخام الأسبوع الماضي.
ورغم ذلك، فإن إقدام إيران على خطوة كهذه سيكون مرجّحاً في حال عجزت عن تصدير نفطها بسبب ضررٍ مباشر طال منشآت الإنتاج أو البنية التحتية الخاصة بالتصدير. لكن حتى حادث بحري منفرد في الخليج قد يكون كافياً لجعل أسواق النفط العالمية متقلبة، ودفع المنطقة كلها نحو مزيد من عدم الاستقرار.
المصدر: The Washington institute for near East policy
الكاتب: Noam Raydan