الأربعاء 14 أيار , 2025 11:25

ملاحظات نقدية على خطاب ترامب في الرياض: زيارة تاريخية؟

بعد 8 سنوات على زيارته الأولى، كسر الرئيس الأميركي دونالد البروتوكول التقليدي للمرة الثانية واختار السعودية وجهةً له بدلاً من الدول الأوروبية أو كندا والمسكيك. في خطوة حملت جملة من الدلالات وعلامات الاستفهام الكبرى، في ظل التغيرات الجيوسياسية والمحورية التي شهدتها المنطقة. وعلى الرغم من حرص ترامب على تقديم الزيارة على أنها "تاريخية" -لأسباب داخلية بالدرجة الأولى- فقد كشفت التصريحات، مبدئياً، عن غياب رؤية واضحة يقدمها رجل الأعمال لملفات تحتاج خطط دقيقة تراعي حساسية المرحلة.

تأتي هذه الزيارة في سياق مختلف عمّا كان عليه الحال في 2017، لكن اللافت أنها تحمل البُنية الخطابية ذاتها: وعود كبرى، لغة شعبوية، وتحالفات تُبنى على الصفقات. غير أن هذا التكرار في الشكل يقابله فراغ مقلق في المضمون، ما يدفع إلى التشكيك في جدوى الزيارة وفاعليتها، بل و دوافعها أيضاً.

على وقع الأزمات التي تمر بها المنطقة  وهي واحدة من أكثر مراحلها تعقيداً، خاصة بما يتعلق بالعدوان الاسرائيلي المستمر على غزة، وتغيرات حساسة في سوريا ولبنان، يطل ترامب بخطاب يتجاوز كل تلك الظروف، مُركّزاً على أولويات قد لا تعبّر عن مصالح شعوب المنطقة بقدر ما تعكس مراكز القوة السياسية والاقتصادية في واشنطن.

إلى جانب ذلك، بدا أن ترامب يتعامل مع السعودية كـ"سوق سياسية مفتوحة" أكثر من كونها منطقة حساسة ذات حسابات استراتيجية، إذ طغى الطابع التجاري على تصريحاته، ولو بشكل ضمني، ما يُعيد إلى الأذهان صفقات السلاح والاستثمار التي عُقدت في زيارته السابقة، والتي لم تُثمر إلا مزيداً من التبعية والتوتر الإقليمي.

جملة من الانتقادات أحاطت بالزيارة -التي لم تنته بعد، والتي ستشهد اليوم قمة سعودية خليجية في الرياض-:

-غياب الرؤية الاستراتيجية الواضحة:

رغم كل الزخم الإعلامي والتصريحات الاحتفالية، لم تتضح أي ملامح لسياسة أميركية جديدة تجاه قضايا المنطقة. بدل أن يُقدم ترامب خريطة طريق واضحة في ملفات غزة أو سوريا أو "أمن الخليج"، اكتفى بتكرار شعارات غامضة مثل "الاستقرار من خلال القوة" دون ترجمة عملية.

البيان المشترك الصادر بعد لقائه مع ولي العهد السعودي لم يتضمّن أي التزام أميركي فعلي بمبادرات وقف إطلاق النار في غزة، ولا بأي دور ضامن في مسار تفاوضي إقليمي. هذا الفراغ عزز الانطباع بأن الزيارة رمزية أكثر منها تنفيذية.

خلال كلمته في قصر اليمامة، تحدث ترامب عن "فرصة للسلام" لكنه لم يحدد آلية أو أطرافاً معنية. واللافت أن المقارنة مع المبادرة التي أطلقت عام 2017 أي (التحالف العربي الإسلامي لمحاربة الإرهاب)، تُظهر تراجعاً في الطموح والبناء على تجارب سابقة.

-استمرار الذهنية التجارية: الخليج كسوق لا كشريك استراتيجي

طغى البعد الاقتصادي على مفردات ترامب، حيث أشار مراراً إلى "الفرص الاستثمارية"، و"تعزيز التعاون التجاري"، دون أن يقترن ذلك بنقاشات استراتيجية طويلة الأمد. هذا الخطاب يعيد إلى الأذهان زيارته الأولى التي وُقّعت خلالها صفقات بمئات المليارات دون أثر فعلي في بنية الأمن الإقليمي.

بدل تقديم رؤية أمنية مشتركة أو استراتيجية عن المظلة الأمنية التي سوّق لها سابقاً، اكتفى ترامب بالإشارة إلى "نجاح الشراكة الاقتصادية"، ما يظهر محدودية رؤيته للعلاقات الخليجية-الأميركية.

-تهميش ملف حقوق الإنسان

للمرة الثانية، تجاهل ترامب بالكامل ملفات الحريات وحقوق الإنسان في السعودية ما أثار انتقادات منظمات حقوقية غربية وصحف أميركية اعتبرت هذا السكوت "مريباً ومنافياً لقيم الديمقراطية التي يزعم تمثيلها".

بعض المراقبين رأوا أن هذا الصمت ليس عفوياً، بل يأتي ضمن مقايضة سياسية: صفقات مقابل عدم الإحراج في ملف الحقوق. ترامب يبدو متمسكاً بنهج "أميركا أولًا" الذي يُفرّغ السياسة الخارجية من بعدها القيمي.

في حين كانت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش تطالب واشنطن بإثارة قضايا المعتقلين السياسيين والصحفيين في السعودية، لم يُدلِ ترامب بأي تصريح حول الموضوع، ولم يتطرّق إعلام البيت الأبيض إلى أي نقاش حقوقي.

- تسويق رمزية "الرئيس القوي" على حساب التوازن الإقليمي

يبدو أن ترامب يحاول في هذه الزيارة استعادة صورة الرئيس القوي على المسرح العالمي، في وقت يواجه فيه معارضة متزايدة من الداخل الأميركي. لكنه في سعيه لفرض هذه الصورة، تجاهل تماماً تعقيد التوازنات الإقليمية ومخاطر تأجيج المحاور.

لم يقدم ترامب رؤية تفصلية او مسار واضح لصفقة مع إسرائيل لاطلاق سراح الأسرى وانهاء الحرب، خاصة بعد أن أبدت حماس حسن النية. الأمر نفسه ينسحب على سوريا الذي اكتفى بالقول أنه قد يرفع عنها العقوبات، كما الحديث عن اتفاقات ابراهيم والترويج لها دون الكشف عن تفاصيل عملية. أما ما سيعلن عن القمة الخليجية الأميركية التي تعقد اليوم، فستكشف ان كانت هذه الزيارة مقدمة لتحول سياسي فعلي أم مجرد عرض آخر في مسرح المصالح الشخصية.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور