الجمعة 22 آب , 2025 03:55

الأزمة النفسية لجنود الاحتلال الإسرائيلي: تراكم الحرب والتحديات النفسية

جنود الاحتلال يواجهون أزمة نفسية من الخدمة العسكرية

بعد مرور ما يقارب العامين من الحرب المستمرة على قطاع غزة، يعاني جنود الاحتلال الإسرائيلي اليوم أزمة نفسية حادة، تتجلى في زيادة حالات الانتحار والاضطرابات النفسية المستشرية في صفوفهم. المشكلة تتفاقم بفعل قلة أعداد الجنود المتاحين، وانخراط فئات محدودة فقط في الخدمة الفعلية، في حين يظل جزء كبير من المجتمع الإسرائيلي، مثل الحريديم، خارج الخدمة العسكرية. هذه العوامل جميعها تجعل جيش الاحتلال يواجه ضغطاً مضاعفاً على مستوى القدرات التشغيلية والنفسية، خاصة بعد قرار نتنياهو الأخير باحتلال قطاع غزة.

أسباب الأزمة النفسية

أحد أبرز أسباب هذه الأزمة هو ضغط القيادة السياسية على الجيش، وتجاهل التحذيرات العسكرية من المخاطر النفسية والاجتماعية التي قد تنتج عن العملية العسكرية. فقد أصر رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو على احتلال غزة رغم التحذيرات المتكررة من المستويات العسكرية العليا حول تعقيد المهمة واحتمالية تكبد الجيش خسائر بشرية ونفسية كبيرة. هذه التوجيهات السياسية، التي غالباً ما تتجاوز التقييمات العسكرية الواقعية، جعلت الجنود يشعرون بأن نتنياهو يتاجر بأرواحهم، وأن أي خطأ قد يكون له ثمن باهظ.

تفاقم الأمر بسبب تجارب سابقة مأساوية مثل عملية خان يونس التي نفذتها حماس ضد جيش الاحتلال وكبدتهم خلالها خسائر فادحة ما ذكرهم بعملية 7 أكتوبر. إضافة لذلك، توجيه حماس تهديدات مباشرة للجنود في حال البدء بخطة احتلال قطاع غزة وما سينفذه حينها المقاومون من عمليات ضدهم وكمائن، وهذا ما زاد من شعورهم بالخوف والاضطراب النفسي، وانعكس على استعدادهم وأداءهم العسكري.

الانعكاسات على الجنود وعائلاتهم

في تقرير نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية ظهر أن الجنود وعائلاتهم وضعوا اللوم على الحكومة وعلى نتنياهو بشكل خاص، معتبرين أن قرارات السياسة العسكرية أسهمت في تفاقم الأزمة النفسية ووصفوه ب "مدمن الحرب". كذلك حالات الانتحار وتزايد الاستقالات، مثل استقالة العقيد أ. من وحدة "ياهلام" كما نقلت الصحيفة، تعكس شعور الجنود "بفقدان الثقة بالمبادئ المهنية والقيادة العليا"، وتوضح أن الضغوط النفسية ليست مجرد مسألة فردية، بل أزمة هيكلية داخل جيش الاحتلال.

كما رأت الصحيفة أن الجنود "يُجبرون على اتخاذ مواقف صعبة"، حيث يضطرون للاختيار بين الالتزام بالأوامر العسكرية والالتحاق بالخدمة لحماية حياة زملائهم وبين التخلف عنها بسبب ما زرعته هذه الحرب من خوف فيهم، وهذا ما يخلق صراعاً ويزيد من حدة التوتر بين جنود جيش الاحتلال أنفسهم.

دور نتنياهو والسياسات العسكرية

الأزمة النفسية المتفاقمة في الآونة الأخيرة كانت نتيجة إصرار الحكومة على التقدم في العمليات العسكرية بغزة دون مراعاة تحذيرات المستوى العسكري الذي فضل تجنبها. سياسة التوسع العسكري والتصعيد المستمر التي يمارسها نتنياهو، وفق تقارير يديعوت أحرونوت، تجعل الجنود "عملة قابلة للاستهلاك" في استراتيجية سياسية قصيرة المدى ليس لها أهداف حقيقية في المستقبل بل هي فقط سياسات آنية.

التأثير النفسي امتد إلى جنود الاحتياط أيضاً، حيث تُرسل أوامر استدعاء واسعة النطاق لمئات الجنود الذين يشهدون تهالكاً في صفوفهم جراء الحروب المتواترة منذ سنوات، في حين لم تُتخذ أي خطوات جادة لإعادة تأهيلهم أو دعمهم نفسياً ليتم خرطهم من جديد في جيش الاحتلال.

هشاشة الجيش الإسرائيلي أمام تحديات غزة

الدخول في عملية احتلال قطاع غزة سيكشف بوضوح أكبر الضعف البنيوي العميق في هيكلة الجيش الإسرائيلي، ويؤكد أن المؤسسة العسكرية غير مؤهلة لخوض هذه التجربة في الوقت الحالي. فبعد عامين من الحرب المستمرة، والأزمات النفسية التي اجتاحت صفوف الجنود، يتضح أن المعنويات متدنية، والخسائر السابقة لم تُعالج. فالجيش الإسرائيلي الذي خاض مواجهة مع إيران وتكبد خلالها خسائر كبيرة في المعدات والكوادر، لم يستعد بعد طاقته الكاملة، ومعنويات الجنود لا تزال محطمة، وهو ما يجعل أي عملية هجومية واسعة على غزة محفوفة بالمخاطر على المستوى البشري والعملي.

كذلك جيش الاحتلال متواجد في غزة منذ أكثر من عام ونصف، ومع ذلك لم يتم القضاء على حماس، ولم تُستعد الرهائن، ولم تُحقق الأهداف الأولية التي وضعها نتنياهو بعد عملية 7 أكتوبر 2023. هذا الفشل المستمر يفضح هشاشة التخطيط العسكري ويطرح تساؤلات حقيقية عن قدرة الجيش على السيطرة على القطاع إذا تم الشروع في احتلاله. أي تقدم عسكري في هذه الظروف سيكون محفوفاً بالتراجع، وقد يُحوّل الجنود إلى أداة دون تحقيق أي "انتصار" استراتيجي ملموس.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور