الخميس 21 آب , 2025 03:23

السياسة الدفاعية اللبنانية: دور الجيش في المواجهة

عناصر من الجيش اللبناني

شكّلت عملية بناء الجيش اللبناني الجديد في العام 1945 تحديًا ذاتيًا وموضوعيًا، سواء بالنسبة لقادته أو للسلطة السياسية التي رعت ولادته، فقد كان على القادة العسكريين أن يقيموا بناءً واحدًا ومتماسكًا من مجموع قطع وعناصر متفرّقة من العسكريين الذين وإن كانوا جميعهم من اللبنانيين، فإنّهم لم يكونوا ينتمون إلى فكرة لبنانية واحدة، أو تجمعهم رؤية وطنية واحدة حول هوية مشتركة أو مثل أعلى واحد يتماهون به.

عندما تطوّع معظم هؤلاء الجنود في الوحدات الفرنسية خلال عهد الانتداب، لتأمين عمل أو وظيفة محترمة تعيلهم مع عائلاتهم، كان التدريب والنظام والانضباط يوحّدهم، والولاء لفرنسا هو ما يجمع بينهم، حتى وإن كان بعضهم يشعر بالولاء لوطنه فقد كان ذلك ضمنيًا، ومن غير المسموح التعبير عنه أو المجاهرة به تحت طائلة العقوبة أو التسريح من الخدمة.

نال لبنان استقلاله قبل ولادة الجيش بحوالي السنتين، وأرسى يومها الميثاق الوطني صيغة التفاهم المعروفة بين أركان قادته السياسيين والطائفيين، وبالتالي قاعدة التعايش المشترك التي تلغي أو تخفّف من قوّة الجذب بين مكوّنات المجتمع اللبناني ومحيطها القريب أو البعيد، وتروّض جموح بعض فئاته واندفاعها إلى هنا أو هناك.

في المقابل كان على قيادة الجيش أن تجمع الوحدات الخاصة Troupes Spéciales بعد تسلّمها من قبل الحكومة اللبنانية وتعيد تنظيمها بشكل قانوني موحّد وثابت أولًا، لتبدأ من ثم عملية توحيد رؤيتها إلى مؤسستها الوطنية الحرة والجديدة، والتخلص من شوائب الفترة السابقة وتناقضاتها.

الجيش اللبناني هو المؤسسة العسكرية الرسمية للجمهورية اللبنانية، ويعود سياقه التاريخي إلى مرحلة الانتداب الفرنسي على لبنان (1920–1943)، حين أنشأت سلطات الانتداب وحدات عسكرية محلية عُرفت بـ"القوات الخاصة للشرق" (Troupes Spéciales du Levant)، تضم مجندين لبنانيين وسوريين تحت قيادة ضباط فرنسيين. ومع استقلال لبنان عام 1943، تمّ فصل هذه القوات عن الجيش الفرنسي، وتشكيل نواة الجيش اللبناني المستقل رسميًا في 1 آب 1945، وهو التاريخ الذي أصبح لاحقًا عيد الجيش اللبناني.

خلال العقود التالية، مر الجيش اللبناني بمراحل حاسمة مرتبطة بالتحولات السياسية والأمنية في البلاد:

- الخمسينيات والستينيات: لعب الجيش دورًا في حفظ الأمن الداخلي، خاصة في أحداث 1958 حين تدخل لضبط الاضطرابات السياسية.

- الحرب الأهلية اللبنانية (1975–1990): تعرض الجيش لانقسامات طائفية حادة وانشقاقات، ما أدى إلى تراجع قدرته على العمل كمؤسسة موحدة.

- مرحلة ما بعد الطائف (1990–2005): أعيد بناء الجيش وتوحيد قياداته بدعم من الدولة السورية، وبدأ استعادة دوره الوطني، مركّزًا على الأمن الداخلي وحماية الحدود.

- من 2005 حتى اليوم: واجه الجيش تحديات كبيرة أبرزها معارك نهر البارد ضد تنظيم فتح الإسلام عام 2007، ومواجهة الجماعات المسلحة في الداخل، إضافة إلى التصدي لاعتداءات إسرائيلية وحماية الحدود الشرقية من تسلل الجماعات الإرهابية خلال الأزمة السورية.

يستمد الجيش اللبناني خصوصيته من تنوع أفراده وانتمائهم إلى مختلف الطوائف والمناطق، وهو ما يجعله أحد أهم رموز الوحدة الوطنية. وتقوم عقيدته القتالية على حماية السيادة اللبنانية، الدفاع عن الأرض والشعب، ودعم مؤسسات الدولة. كما يحظى الجيش بدور إنساني وإغاثي مهم، خصوصًا في مواجهة الكوارث الطبيعية والأزمات الاجتماعية، إلى جانب تعاونه الوثيق مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (اليونيفيل) بموجب القرار 1701.

يمكن القول إن تاريخ الجيش اللبناني هو انعكاس مباشر لتاريخ لبنان نفسه، بتعقيداته السياسية وتعدد مراحله، حيث بقي رغم الأزمات ركيزة أساسية للاستقرار الوطني. في هذا الإطار، نقدم إليكم دراسة مفصّلة بعنوان "السياسة الدفاعية اللبنانية دور الجيش في المواجهة".

يمكنكم تحميلها من هنا


الكاتب:

نسيب شمس

-كاتب وباحث سياسي




روزنامة المحور