الخميس 31 تموز , 2025 03:43

الاعتراف بدولة فلسطين: خطوة بريطانية مشروطة لا تعني دعم حماس

بريطانيا تتجه للاعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر

شهد الموقف البريطاني تجاه الاعتراف بدولة فلسطينية تحولاً دبلوماسياً لافتاً في الأيام الأخيرة، يعكس تغيراً في توازنات السياسة الداخلية والخارجية على حد سواء. فعلى الرغم من تمسّك رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، سابقاً بموقف مشروط للاعتراف بالدولة الفلسطينية، إلا أن الضغوط المتصاعدة من داخل حزب العمال، خصوصاً من نوابه غير المنخرطين في الحكومة، دفعت إلى تعديل هذا الموقف. هذا التحول لم يكن فقط استجابة للوضع الإنساني المتدهور في غزة، بل جاء أيضاً نتيجة لما يمكن وصفه بـ "قوة الجاذبية السياسية" داخل الحزب حسب مقال نشرته صحيفة "بي بي سي" وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، حيث أصبح التيار الوسطي نفسه – الداعم تقليدياً لقرارات ستارمر – يطالب بالتغيير. وبينما يرى البعض في الاعتراف خطوة مبدئية لا ينبغي ربطها بسلوك الحكومة الإسرائيلية، يعتبرها آخرون مجرّد سياسة استعراضية. ومع تنامي التوافق السياسي على أن الاعتراف الرسمي بات مسألة وقت قصير، يبدو أن المملكة المتحدة تمهّد الطريق لما سيكون تحوّلاً محورياً في سياستها الشرق أوسطية.

النص المترجم:

السير كير ستارمر على دراية بمحنة إميلي داماري.

على مدى 15 شهراً كانت فيها رهينة في غزة، ذكرها رئيس الوزراء مراراً عند حديثه عن الحرب، بما في ذلك اتصالات هاتفية أجراها مع والدتها البريطانية ماندي، في وقت لم تكن تعلم فيه ما إذا كانت إميلي لا تزال على قيد الحياة.

ولذلك، سيكون من غير السار على أقل تقدير لرئيس الوزراء أن يجد نفسه اليوم عرضة لانتقادات لاذعة من إميلي نفسها.

ففي ردّها على إعلان كير ستارمر استعداده للاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر، اتهمت السيدة داماري زعيم حزب العمال بـ "الفشل الأخلاقي"، قائلة إنه يُخاطر بـ"مكافأة الإرهاب" و"إطالة أمد الصراع".

تردد ما قالته في بيان صادر عن ممثلين عن عشرة رهائن محتجزين أو سبق احتجازهم في غزة، ممن يحملون الجنسية البريطانية أو تربطهم علاقات وثيقة ببريطانيا.

قال هؤلاء إنهم لا يتخذون موقفاً من "السياسة العامة" المرتبطة بالحرب، لكنهم أعربوا عن قلقهم من أن الموقف الجديد لبريطانيا قد يزيل الحوافز أمام حماس للموافقة على وقف إطلاق النار وإطلاق سراح بقية الرهائن.

ويستند قلق عائلات الرهائن إلى أحد التفسيرات السائدة لما قاله رئيس الوزراء في داونينغ ستريت بعد اجتماع الحكومة الطارئ يوم الثلاثاء، وهو أن الاعتراف البريطاني بالدولة الفلسطينية سيكون مرهوناً فقط بما إذا كانت "إسرائيل" ستستوفي شروطاً عدة خلال الأسابيع المقبلة، مثل الموافقة على وقف إطلاق النار، والتعهد بعدم ضم الضفة الغربية، واتخاذ "خطوات جوهرية" لإنهاء الأزمة الإنسانية في غزة، والالتزام بعملية سلام طويلة الأمد.

ومع ذلك، أشارت مصادر حكومية اليوم إلى عنصر آخر ورد في تصريح رئيس الوزراء يوم الثلاثاء. قال: "رسالتنا إلى إرهابيي حماس لم تتغير وهي واضحة تماماً: عليهم أن يفرجوا فوراً عن جميع الرهائن، وأن يوافقوا على وقف إطلاق النار، وأن يتخلوا عن السلاح، وأن يقبلوا بأنهم لن يكون لهم أي دور في حكم غزة".

وأضاف: "سنجري تقييماً في شهر سبتمبر حول مدى التزام الأطراف بهذه الخطوات"

واللافت هنا استخدامه لكلمة "الأطراف" بصيغة الجمع – أي أن التقييم سيشمل كلاً من "إسرائيل" وحماس.

وتقول مصادر في داونينغ ستريت إن هذا يوضح أن قرار بريطانيا بشأن المضي قدماً في الاعتراف بالدولة الفلسطينية لن يعتمد فقط على تصرفات "إسرائيل"، بل أيضاً على أفعال حماس.

لكن هذا الموقف لم يتم التعبير عنه بشكل ثابت ومتّسق.

فعلى سبيل المثال، قالت وزيرة النقل هايدي ألكسندر في حديثها مع الـ "بي بي سي" إن "الكرة الآن في ملعب الحكومة الإسرائيلية".

وعندما سُئلت عمّا إذا كانت بريطانيا ستعترف بدولة فلسطينية في سبتمبر حتى لو كانت حماس لا تزال تسيطر على غزة، اكتفت بالإشارة إلى ضرورة أن تفي "إسرائيل" بالشروط التي وضعتها الحكومة.

الخلاصة هي التالية: لا أحد من الذين تحدثت إليهم داخل حزب العمّال يتوقع أن تتراجع الحكومة عن قرار الاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر.

ورغم الغموض المحيط بالشروط الدقيقة المطلوبة لتحقيق هذا الهدف، وآلية التقييم التي ستتبعها الحكومة، فإن أهمية ما قاله السير كير ستارمر يوم الثلاثاء تكمن في هذا الاتجاه الواضح نحو الاعتراف.

وهذا يُمثّل تحوّلاً بالغ الأهمية في الموقف الدبلوماسي للمملكة المتحدة، سواء بالمقارنة مع الحكومات السابقة على اختلاف توجهاتها، أو حتى بالمقارنة مع ما كانت تقوله هذه الحكومة نفسها قبل أيام قليلة فقط.

لطالما قال السير كير ستارمر إنه يريد الاعتراف بدولة فلسطينية، لكن فقط في اللحظة التي يُمكن لهذا الاعتراف أن يُحدث فيها أكبر مساهمة في تحقيق حل الدولتين وهو ما كان يُفترض عموماً أنه يعني "بعد انتهاء هذه الحرب".

لكن السياسة الدقيقة والمعقدة التي ينطوي عليها هذا التغيير في الموقف تُفسّر جزئياً سبب وصول الحكومة اليوم إلى موقف ملتبس ومعقّد بعض الشيء.

ولا شك أن الحسابات السياسية لعبت دوراً أساسياً في قرار الحكومة تغيير المسار.

قوة الجاذبية السياسية

إن لهجة السير كير ستارمر نفسه، ولا سيما فيما يتعلق بالأوضاع الإنسانية في غزة، كانت تزداد حدة في العلن منذ فترة.

لكن المزاج العام داخل حزب العمال في البرلمان كان يتغير بوتيرة أسرع فمع بداية هذا الأسبوع، كان أكثر من نصف نوّاب حزب العمال الذين لا يشغلون مناصب حكومية قد وقّعوا على رسالة تدعو الحكومة إلى الاعتراف بدولة فلسطينية.

حتى بعض وزراء الحكومة بدأوا يُلمّحون بطرق مختلفة إلى أنهم يتفقون مع هذا التوجه أيضاً.

وكان هناك قلق لدى بعض دوائر الحكومة من أنه عند عودة النواب من عطلتهم الصيفية في سبتمبر، قد تجد أحزاب المعارضة وسيلة لفرض تصويت في البرلمان على هذه المسألة ما كان سيضطر ستارمر حينها للتراجع، إن لم يكن قد بادر إلى ذلك من قبل.

قوة الجاذبية السياسية كانت حتماً ستدخل حيّز التنفيذ عاجلاً أم آجلاً. لكن هناك خطراً بأن تجد الحكومة نفسها عالقة بين موقفين متناقضين.

فمن جهة، هناك من يعتقد بمن فيهم بعض أكثر الأصوات إلحاحاً داخل حزب العمال أن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة هو حق غير قابل للتصرف، ولا ينبغي ربطه أو جعله مشروطاً بخطوات تتخذها الحكومة الإسرائيلية.

وهذا الموقف تتبناه أيضاً أحزاب مثل "الديمقراطيين الأحرار"، و"حزب الخضر"، إضافة إلى نواب مستقلين كجيريمي كوربن.

ومن الجهة المقابلة، هناك من يرى أن هذا مجرد "سياسة رمزية"، ولا ينبغي طرح مسألة الدولة الفلسطينية قبل أن تطلق حركة حماس سراح الرهائن على الرغم من أن الدولة الفلسطينية التي تتصورها بريطانيا، في نهاية المطاف، ستكون تحت حكم السلطة الفلسطينية، لا حماس.

ذلك هو موقف قلّة من داخل حزب العمال، لكنّه يُعبَّر عنه بشكل أوضح من قِبل حزب المحافظين وحزب "ريفورم يو كيه".

لكن في نهاية المطاف، ما جعل تغيير موقف الحكومة أمراً لا مفر منه هو تغيّر موقف "الوسط" داخل حزب العمال أولئك الذين لم يكونوا دائماً من الأصوات المرتفعة في هذا الملف، وغالباً ما دعموا حُكم السير كير ستارمر أرادوا التغيير، وهم راضون اليوم.

وهذا السلام السياسي الهش قائم على افتراض مشترك بين الجميع: أن ما يحدث الآن ليس إلا محطة انتقالية نحو اعتراف حتمي بدولة فلسطينية خلال أسابيع قليلة فقط.


المصدر: BBC News

الكاتب: Henry Zeffman




روزنامة المحور