الخميس 31 تموز , 2025 12:17

فورين بوليسي: كيف أعادت الضربات الإسرائيلية تشكيل مستقبل إيران السياسي؟

إيرانيات في العاصمة طهران

تُناقش نرجس باجوغلي، الأستاذة المشاركة في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية، في هذا المقال الذي نشره موقع مجلة "فورين بوليسي" وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، التحوّل الكبير في التوجّهات السياسية لدى بعض الفئات في الجمهورية الإسلامية – ممن كانوا يُوصَفون بالمعارضة – بعد العدوان الإسرائيلي الأمريكي على البلاد، حيث باتوا يؤمنون بأهمية المقاومة، سواء على صعيد إيران أو على صعيد جبهة المقاومة ككل، وذلك على خلاف ما كانت تطمح إليه أمريكا والكيان المؤقت والمعسكر الغربي.

النص المترجم:

في الأسابيع التي تلت الضربات الإسرائيلية على إيران في حزيران / يونيو، حدث أمر غير معتاد. فعلى مدى عقود، كان الإيرانيون من أكثر الشعوب تأييدًا للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط. وكانوا يشككون، إن لم يكونوا يرفضون تمامًا، الإطار الأيديولوجي الذي تروج له حكومتهم باعتبار أن الولايات المتحدة وإسرائيل تمثلان تهديدًا وجوديًا.

كانت هذه الشعارات الرسمية تُسمع بين كثير من شرائح الشعب، وخصوصًا الشباب، على أنها مجرد ضجيج في الخلفية أو حتى مدعاة للسخرية والإحراج. وغالبًا ما بدا هوس النظام بـ"المقاومة" وكأنه بقايا من الماضي أكثر من كونه سياسة حقيقية.

لكن هذه المرة، عندما سقطت القنابل، لم تبقَ الحرب بعيدة. بل وصلت إلى الداخل. وغيّرت النقاش برمته. الجيل الذي كان يسخر من خطاب النظام، بدأ الآن يدرك—وأحيانًا لأول مرة—لماذا بُني خطاب المقاومة من الأساس.

بين ليلة وضحاها، شعرت بتحول عميق بين العديد من معارفي في مختلف شرائح المجتمع الإيراني. حتى الإيرانيون الذين كانوا يرفضون شعارات القائد الأعلى علي خامنئي، بدؤوا يرددونها. الضربات لم تثر فقط حماسة وطنية، بل أشعلت شعورًا أكثر تقلبًا: إحساسًا واسع النطاق بأن القوى الأجنبية قد تجاوزت الخطوط الحمراء. حتى بين أكثر منتقدي النظام صراحةً، تحوّل الغضب ليس نحو الداخل، بل نحو الخارج.

في غضون أسبوعين فقط، استوعب الإيرانيون واقعًا جيوسياسيًا جديدًا. بدأت الشعارات تبدو أكثر منطقية. لم يكن هناك إجماع بين النخب العسكرية حول كيفية حماية إيران، لكن الآن، أصوات الداعين للدبلوماسية باتت تغرق وسط أصوات تطالب بموقف دفاعي أكثر صرامة. حتى المدنيون—الذين كانوا في السابق يعارضون نهج النظام الأمني—باتوا يطالبون بتعزيز الدفاعات. وبعضهم بدأ يتحدث علنًا عن الحاجة إلى سلاح نووي. قال لي أحد الصحفيين في أصفهان: "نحن بحاجة لشيء يجعلهم يفكرون مرتين. وإلا سيستهدفوننا كل بضع سنوات".

لسنوات، رأى كثير من الإيرانيين الحروب بين إسرائيل والولايات المتحدة ودولتهم كأحداث بعيدة، مجردة، أو مفروضة عليهم. كانت هذه الحروب تدور في سوريا، لبنان، العراق—وليس في أصفهان أو طهران. وقد تعرضت الاستراتيجية الإقليمية للجمهورية الإسلامية، من الداخل والخارج للنقد، باعتبارها مهدِرة واستفزازية ومعزِلة.

لكن ضربات حزيران / يونيو غيّرت هذا التصور. لم تكن حربًا على جبهة بالوكالة البعيدة. بل كانت مباشرة وسريعة. وأوضحت للإيرانيين العاديين أنهم لم يعودوا مجرد متفرجين. فإسرائيل والولايات المتحدة أصبح بإمكانهما الوصول بعمق داخل حدودهم تقريبًا بلا عواقب.

قال لي فنان في طهران: "كنت من الذين يهتفون في المظاهرات بعدم إرسال أموال إيران إلى لبنان أو فلسطين. لكنني الآن أفهم أن القنابل التي نواجهها جميعًا واحدة، وإذا لم نمتلك دفاعات قوية في كل المنطقة، فالحرب ستصل إلينا".

وقد انتشرت هذه الصحوة الجديدة بسرعة—ليس فقط داخل إيران. فالكثير من المحتوى المنتشر الذي يشرح تاريخ التدخل الغربي في إيران، من انقلاب عام 1953 إلى اغتيال العلماء الإيرانيين، لم يُنتَج في طهران، بل في الغرب وللجمهور الغربي. على منصات مثل تيك توك وإنستغرام وإكس، بدأ شباب من اليسار واليمين في التساؤل عن سبب تصوير إيران لعقود كفزاعة دائمة في السياسة الخارجية الأمريكية. هؤلاء لم يكونوا من أنصار النظام؛ بل كانوا في الغالب أمريكيين—من جيل الألفية وجيل زد—يحاولون فهم الحروب الدائمة التي شكلت حياتهم.

وفجأة، لم تعد تحذيرات خامنئي من أمريكا التي لا يمكن الوثوق بها وإسرائيل التي تسعى للحرب والتوسع تبدو بعيدة عن الواقع—ليس لأنه اكتسب سلطة أخلاقية، بل لأن العالم بدأ يواكب الحقائق الاستراتيجية التي لطالما أشارت إليها إيران. هذا التحول، مهما كان جزئيًا أو غير متوقع، بدأ بالفعل في إعادة تشكيل موقع إيران—داخليًا وإقليميًا وعالميًا.

لطالما صوّر الغرب الحرس الثوري الإيراني كجهاز موحد لا يسعى إلا للعدوان. لكن الواقع أن الحرس منقسم داخليًا بفعل تنافس الفصائل. على مدى العقد الماضي، غالبًا ما دعت قيادته الأكبر سنًا—التي تشكلت خلال الحرب الإيرانية العراقية 1980-1988—إلى ضبط النفس. وعلى الرغم من التزامهم بالردع الإقليمي والتوسع العسكري، إلا أن كثيرًا من هؤلاء القادة رأوا أن الدخول في صراع مفتوح مع إسرائيل أو أمريكا يشكل مخاطرة وجودية لا مواجهة ضرورية.

لكن تحت هذه القيادة، برز جيل شاب في الحرس الثوري: جيل لم يتشكل في الدفاع بل في الهجوم. بعض هؤلاء المقاتلين الشباب باتوا اليوم في الأربعينات من العمر ومستعدين لتولي القيادة. هذا الجيل الجديد تدرب على الطائرات المسيّرة، والصواريخ، والحرب السيبرانية؛ وخاض معارك في سوريا، وساهم في تنظيم الميليشيات في العراق. وهم يرون أن المواجهة ليست فقط حتمية، بل مفيدة. فبالنسبة لهم، الردع لا يعني البقاء فقط، بل يتعلق بالمكانة الإقليمية، والفخر الوطني، وإعادة تأكيد السيادة.

وقد عززت ضربات حزيران / يونيو، مقرونة بالردود الإيرانية المحدودة لكن المدروسة، من ثقة هذا الجيل. فهم يرون أن ضبط النفس الذي مارسته الدولة خلال العقدين الماضيين—وخاصة التزامها الخاطئ بالاتفاق النووي لعام 2015—لم يؤدِ إلا إلى مزيد من الهجمات. والقدرة التي أظهرتها إسرائيل في توجيه ضربات عميقة وفعالة، لم تؤكد سوى حجتهم: أن إيران بحاجة إلى قوة ردع حقيقية، وبأسرع وقت ممكن.

أما على صعيد الشعب، فالجيل الذي وُلد بعد ثورة 1979—والذي طالما شعر بالخذلان من أيديولوجية الدولة—فإنه يشهد الآن تحولًا عميقًا. لم يحتضن النظام، لكنه بدأ يعيد التفكير في كل ما آمن به بشأن القوة الغربية والأمن.

ورغم أن هذا التأييد الشعبي النسبي للدولة الأمنية ليس مضمونًا أن يدوم، إلا أنه يغيّر حاليًا موازين القوى داخل دوائر صنع القرار في إيران. المتشددون الشباب داخل الحرس الثوري يكتسبون أرضًا. وحلفاؤهم في الإعلام الرسمي، والبرلمان، ووزارة الاستخبارات، يقدّمون أنفسهم باعتبارهم الجهات الوحيدة القادرة على الدفاع عن إيران من خطر وجودي.

هذه الأصوات بدأت الآن تطغى على الأصوات الأخرى في إيران—وهي كثيرة—التي لا تريد الحرب. تاريخيًا، كان دعاة التفاوض مع الغرب من التكنوقراط البراغماتيين، لكن هؤلاء القادة المتعاطفين مع السلام باتوا يواجهون تحولًا أعمق في الإدراك الشعبي. فعلى مدى سنوات، وحتى مع تحذيرات خامنئي من عدم موثوقية الغرب، استمر جزء كبير من الشعب في التصويت لمرشحين يعدون بالانفتاح. كانت الدبلوماسية تُرى، إن لم تكن مثالًا، فعلى الأقل واقعية: المسار العملي الوحيد للخروج من العزلة. لكن الضربات الإسرائيلية، غير المبررة، جاءت فيما كانت المفاوضات مع الولايات المتحدة جارية. والآن، حتى ضمن الأوساط التي كانت تؤيد الحوار، هناك رأي متنامٍ بأن المفاوضات مع الغرب مجرد خدعة؛ فبغض النظر عن كيفية انخراط إيران، سيتم معاقبتها.

ومنذ بدء الضربات، انتقل النقاش في إيران من سؤال "هل يمكن للدبلوماسية أن تنجح؟" إلى سؤال "هل كانت صادقة أصلًا؟" والآن، فإن فكرة أن المفاوضات ستحل مشكلات إيران، لم تعد تُرى كواقعية بل كاستسلام.

واستغل خامنئي، بصفته تكتيكيًا ماهرًا، هذه اللحظة لترسيخ رواية تؤكد على حماية وحدة إيران من خلال الدفاع. تحديدًا، هي رواية "المقاومة" التي وُجدت منذ عام 1980 على الأقل، حين غزا العراق إيران بدعم من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الغربية (إن لم يكن قبل ذلك، في انقلاب 1953 بتدبير واشنطن ولندن). فإذا كانت إيران محاطة من جميع الجهات بأعداء يريدون إخضاعها، فإن المقاومة—بما في ذلك الصواريخ والطائرات المسيّرة المصنّعة محليًا—تبقى أملها الأخير للبقاء. والجهات الوحيدة القادرة على تنفيذ هذه المقاومة الدفاعية هي القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية.

ورغم أن الضربات سببت ضررًا للبنية التحتية في إيران، إلا أنها عززت رواية خامنئي. فالنظام صمد. والقيادة ثبتت. ولم تندلع الاحتجاجات في الشوارع. ولم تتفكك البلاد. وعلى الصعيد الدولي، لم تُرَ إيران فقط كمعتدية، بل كدولة تحت الحصار، تقاوم التدخل الخارجي من جديد.

وهذه المسألة لا تتعلق بالتاريخ فقط، بل بالخلافة. من سيخلف خامنئي، البالغ من العمر 86 عامًا، كقائد أعلى لإيران، سيتم اختياره في سياق هذه الضربات: حيث تم إثبات عقيدة المقاومة بالأحداث، وليس فقط بالأيديولوجيا. وهذا يمنح الحرس الثوري—وخاصة جيله المتشدد الشاب—نفوذًا أكبر في تشكيل الفصل التالي من الجمهورية الإسلامية.

لكن التحدي أمام قادة إيران—خصوصًا الجيل الجديد من الحرس الثوري—هو كيفية استثمار هذه اللحظة دون تجاوز الحدود. فالدعوات إلى التوسع العسكري أو حتى امتلاك سلاح نووي قد تلقى صدى الآن، لكنها قد تثير ردود فعل أجنبية أشد وتعمّق العزلة الاقتصادية.

فقدرة الجمهورية الإسلامية على النجاة من الضربات لا تعني أنها محصّنة ضد الانهيار—فلا دولة محصّنة. الاقتصاد الإيراني لا يزال تحت ضغط. والثقة العامة منخفضة. والحدود بين دعم الردع ودعم النظام الحاكم ضئيلة. وإذا أخطأ القادة في تفسير هذا التأييد الاستراتيجي على أنه شرعية مطلقة، فقد يشعلون الاضطرابات نفسها التي تمكنوا مؤقتًا من إخمادها.

ومع ذلك، فقد تغيّر المشهد السياسي الداخلي بطرق جوهرية. المتشددون الذين كانوا يكافحون لتبرير "المقاومة" ضد إسرائيل والولايات المتحدة، باتوا يقولون إن التاريخ أثبت صحة موقفهم. "المقاومة" لم تعد حكرًا على النظام وأنصاره—بل أصبحت شعارًا للدفاع عن الوطن يتجاوز الحدود الاجتماعية والسياسية. وتلك رواية قوية—خصوصًا عندما يرددها من كانوا سابقًا مشككين، وتُشرعنها الوقائع على الأرض.

ما إذا كانوا سيتمكنون من تحويل هذه الرواية إلى مؤسسات—من خلال الخلافة، أو التشريع، أو التوافق الاجتماعي الأوسع—سيحدد شكل الجمهورية الإسلامية في المستقبل. لكن في الوقت الراهن، هم في صعود.

وغالبًا ما يتأرجح الخطاب الدولي حول إيران بين طرفين: إما أن النظام على وشك الانهيار، أو أنه خطر لا يمكن إيقافه. لكن ما يُغفل هو مدى مرونة هذا النظام واستجابته: كيف يتعلم ويتكيف ويُدخل الصدمات في روايته للبقاء والمقاومة. الضربات الإسرائيلية لم تدمر هذا النظام. بل عززته. ولا أحد يعرف حقًا ما الدروس التي ستخرج بها هذه الرواية للإيرانيين—سواء أولئك الذين يأملون في السلام أو الذين يسعون إلى الحرب.

كما أعادت الضربات تشكيل نظرة الإيرانيين لأنفسهم. فبعدما كانوا يعتبرون أنفسهم، حتى في ظل العقوبات، مجرد مراقبين لحروب بعيدة، باتوا الآن أهدافًا مباشرة للعدوان الإقليمي.

وربما يكون التحول الأهم هو التحول الجيلي. فهذه ليست عودة جيل 1979 إلى مواقفه القديمة، بل أبناءهم وأحفادهم—الذين نشأوا في ظل الإنترنت، والإعلام الغربي، وأفكار مؤيدة للغرب—هم الذين بدأوا الآن في التشكيك في شرعية النظام العالمي الذي نشؤوا وهم يؤمنون به. الشعارات التي كانوا يرفضونها باعتبارها دعاية، يُعاد الآن تفسيرها بوصفها واقعية. وإذا استمر هذا التحول، فسيؤثر لعقود على سياسة إيران الداخلية والإقليمية.

هذا التحول—أكثر من أي نجاح أو فشل تكتيكي—قد يكون هو الأثر الأكثر ديمومة. فبعد سنوات من التساؤل عن سبب احتياج إيران لبرنامج صاروخي أو وكلاء إقليميين أو عقيدة مقاومة عسكرية، بدأ الإيرانيون يسألون: كيف نعزز هذه الدفاعات لضمان بقاء إيران حرة ومستقلة.


المصدر: فورين بوليسي - foreign policy

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور