يعتبر آفي أشكنازي، في هذا المقال الذي نشرته صحيفة "معاريف " الإسرائيلية وترجمه موقع الخنادق الالكتروني، بأنه في الوقت الذي تقرر فيه حكومة الكيان المؤقت إعادة طاقم التفاوض من الدوحة في قطر إلى القدس المحتلة للتشاور بعد نحو ثلاثة أسابيع، كان الجيش الإسرائيلي يخوض معركة تراجعية على صعيد الرواية الدائرة في غزة. ورغم ادعاء أشكنازي للعديد من الأكاذيب بحق المقاومة الفلسطينية (في سياق البروباغندا الإسرائيلية التي يقرّ بأنها فشلت)، فإنه أشار إلى أن إسرائيل تقع في فخّ غزة أكثر فأكثر مع استمرار الحرب.
النص المترجم:
الناطق باسم الجيش والإدارة المدنية، إلى جانب قيادة المنطقة الجنوبية، استعدوا في إجراء قتالي مختصر لإدخال عشرات الصحفيين من أنحاء العالم وإسرائيل إلى الجانب الغزي من معبر كرم أبو سالم جنوب القطاع. الهدف: عرض السلع المنتظرة لتوزيعها من قِبل الأمم المتحدة على كامل أنحاء قطاع غزة. وبحسب ادعاء الجيش الإسرائيلي، فإن المواد الموجودة في المكان تشمل: طحين، زيت، أرز، بقوليات، معكرونة، منتجات للأطفال، معلبات، وغيرها الكثير. وتدّعي إسرائيل أن كمية البضائع الموجودة تكفي ما يقارب 1000 شاحنة، ومن المفترض أن تسدّ احتياجات سكان غزة لمدة أسبوعين ونصف.
حالياً، تستطيع حماس تشديد مواقفها التفاوضية. لقد نجحت في خلق رواية مفادها أن إسرائيل تتسبب بتجويع سكان غزة. صور الأطفال النحفاء الجائعين أثارت الغضب ضد إسرائيل في أنحاء العالم. الصحفيون الأجانب العاملون من إسرائيل قالوا إن ما يراه الجمهور الإسرائيلي هنا، يبعد سنوات ضوئية عما يراه الجمهور في أوروبا والولايات المتحدة هناك. لقد نجحت إسرائيل، في إدارتها للحرب في غزة، في الوقوع في كل فخ وكل عقبة ممكنة. إدارة الحرب من قبل المستوى السياسي ليست هاوية فحسب، بل أسوأ بكثير من ذلك، إنها تقاعس يرقى إلى مستوى الجريمة.
لقد دخلت إسرائيل في هذه المعركة وهي تحمل أعدل قضية، مدعومة بتأييد دولي واسع النطاق. لكن تخطيط القتال، وتحديد أهداف الحرب، وبرنامج إدارة المفاوضات لتحرير الأسرى، والقدرة على تحديد تسلسل حقيقي للأصول الأمنية والتكتيكية التي تصر إسرائيل على التمسك بها – كل ذلك لم يحدث. ما فعلته إسرائيل هو تغيير الخطط والأهداف مرة تلو الأخرى، والإصرار على إبرام صفقات مجزأة من أجل الحفاظ على البقاء السياسي لحكومة يجرّ فيها كل من يملك فتات مقعد برلماني الدولة، إلى مغامرات عسكرية بلا هدف في واقع مرتبك.
أما موضوع توزيع المساعدات، فهو الفضيحة الكبرى. لقد موّلت حكومة بنيامين نتنياهو، من خلال إدارتها، حركة حماس حتى بعد 7 تشرين الأول / أكتوبر. فالواقع أن إسرائيل، من خلال تقييدها المتكرر لإدخال المساعدات، ساهمت في تقوية حماس. لا خلاف على أن مخازن حماس ممتلئة حتى آخرها بمواد غذائية من كل الأنواع. لا خلاف على أن معظم الشاحنات تُنهب من قبل حماس. ولا خلاف على أن حماس تتحكم في أسعار السوق الغذائي داخل غزة.
إذاً، وفي ظل هذه المعطيات، كان من المتوقع من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يفهم شيئاً أو اثنين في الاقتصاد، أن يدرك أن كسر حماس وإنهاء تبعية السكان لها، بصفتها المزود الوحيد للخبز والماء في غزة، يقتضي جعلها غير ذات صلة في غزة تماماً. كيف؟ ببساطة شديدة: بدلاً من 120 شاحنة يومياً، كان على إسرائيل أن تدخل 2000 شاحنة غذاء يومياً. أن توزّع الطعام في كل زاوية من زوايا غزة. أن يحصل الجميع على إمدادات بلا نهاية. أن "يختنقوا" بأكياس الطحين والأرز والزيت والمعلبات وغيرها إلى ما لا نهاية. بحيث لا تعود لحماس أي قدرة على بيع المنتجات، لأنه لن تكون هناك حاجة لها في ظل توفرها بكثرة في كل مكان.
لكن في إسرائيل، فضّلوا النهج الذي يقوده الوزير سموتريتش، وهو تقليص الإمدادات لخلق أزمة إنسانية في مناطق شمال القطاع، ودفع السكان جنوباً. والنتيجة معروفة: حماس اليوم في أقوى موقع لها منذ بدء عملية "عربات جدعون". لقد حولت أخطاء إسرائيل إلى انتصارات لها. تفهم أن حرب الاستنزاف ضد جيش نظامي كبير، تُضعف هذا الجيش. من الواضح أن الجيش يتآكل مع كل يوم يمر، والاحتكاكات والحوادث والإصابات في تزايد. وهي تعلم أن نقص الغذاء يزيد من تبعية السكان لها. تعلم أن سعر السلع في السوق هو نتيجة للعرض والطلب. وتعلم أن الضغط الدولي على إسرائيل سيضعفها في إدارة المفاوضات.
الآن، أعادت إسرائيل الوفد إلى القدس. الهدف: إعادة حساب المسار. السؤال: من سيجلس في موقع القيادة؟ وهل نحن ذاهبون إلى خطوات تُخرجنا من المستنقع الغزّي، أم أننا سنتعمق فيه أكثر فأكثر؟
المصدر: معاريف
الكاتب: غرفة التحرير