الإثنين 21 تموز , 2025 11:26

نتنياهو وأزمة تجنيد الحريديم: الحل بتأجيل الانفجار السياسي؟

في توقيت بالغ الحساسية، أعلنت كتلة "يهدوت هتوراه" الحريدية - بجناحيها ديغل هتوراه وأغودات إسرائيل - انسحابها من الائتلاف الحكومي برئاسة بنيامين نتنياهو، في خطوة تزامنت بانسحاب "شاس" المتطرف أيضاً، احتجاجاً على عدم تمرير قانون إعفاء "طلاب المدارس الدينية" أي الحريديم من الخدمة العسكرية. ومع أن الانقسام حول هذه القضية ليس جديداً، فإن اختيارهذه اللحظة للانسحاب، في ظل أطول حرب تشنها إسرائيل في غزة، يُدخل الحكومة في أزمة عميقة، لا تُختزل ببنيتها الداخلية، بل تمتد بتأثيرها إلى المشهد السياسي العام، والمفاوضات الدائرة بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.

في خلفية هذا الانسحاب تكمن معضلة متفاقمة منذ عقود، وهي مطالبة الحريديم بإعفائهم من الخدمة الإلزامية العسكرية، بدعوى أن دراسة التوراة تمثل بحد ذاتها "خدمة قومية" تحافظ على هوية  الكيان كـ"دولة يهودية". غير أن استمرار الحرب، وتزايد أعداد القتلى من الجنود الإسرائيليين بمختلف الجبهات خاصة غزة، والضغوط على الجيش لتعويض النقص في القوى البشرية، دفعت الملف إلى واجهة الانقسام السياسي من جديد، مع تصاعد الغضب في الشارع الاسرائيلي تجاه الحريديم، الذين يُنظر إليهم كفئة خارج معادلة الواجبات دون أن تشارك في أعباء الدفاع أو الاقتصاد.

استطلاع رأي أجراه "مركز دراسات الأمن القومي" أشار إلى أن 71% من الإسرائيليين يعتبرون أن إعفاء الحريديم من الخدمة يلحق ضرراً بدوافع التجنيد. كما عبّر 41% عن نيتهم نصح أبنائهم بعدم الخدمة إذا تم تمرير قانون يعفي الحريديم، فيما قال 45% إنهم سيشجعون أبناءهم على الالتحاق بالجيش، لكنهم لن يقبلوا بإرسالهم إلى المهام القتالية.

البعد الاقتصادي للأزمة لا يقل أهمية. فقدّرت جهات اقتصادية إسرائيلية أن انخراط الحريديم في الجيش وسوق العمل سيوفر ما لا يقل عن 100 مليار شيكل سنوياً للاقتصاد الإسرائيلي. كما أن العدد الفعلي للفئة المشمولة بقوانين الخدمة من الحريديم يتجاوز 80 ألفاً، بين من تنطبق عليهم الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية.

في السياق السياسي، لم يمر الانسحاب دون تبادل للاتهامات داخل أروقة الائتلاف. رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست عن حزب الليكود، يولي أدلشتاين، اتهم الكتل الحريدية بخرق التفاهمات التي تم التوصل إليها، فردت هذه الأخيرة باتهامه بـ"اللعب السياسي" على حساب الجنود وعائلاتهم، بل إن بعض الحريديم هددوا بعدم المشاركة في أي حكومة مستقبلية يتولى فيها أدلشتاين منصباً وزارياً أو رئاسة لجنة.

أما نتنياهو، فبذل جهوداً لاحتواء الأزمة، مدركاً أن انسحاب "يهدوت هتوراه" سيجر معه "شاس"، ما يعني خسارة الأغلبية البرلمانية والاكتفاء بـ60 نائباً فقط، بعد الانشقاقات السابقة، ومع خروج "شاس"، ينخفض العدد إلى 50 نائباً، لتتحول الحكومة إلى أقلية برلمانية.

مع ذلك، يبدو أن نتنياهو يراهن على عامل الوقت. فبحسب تقديرات سياسية، يسعى لتمديد عمر الحكومة حتى عطلة الكنيست الصيفية التي تبدأ في 25  تموز/يوليو ، أملاً في تمرير المرحلة بأقل الخسائر. وخلال هذه الفترة، يخطط للعمل كحكومة أقلية، معتمداً على تشرذم المعارضة، وعلى وعود بتعديل قانون التجنيد بما يرضي الحريديم بعد انتهاء هذه العطلة.

هذه الحسابات الداخلية تُلقي بظلالها أيضاً على المفاوضات الحساسة المتعلقة بوقف الحرب وتبادل الأسرى الجارية في الدوحة. إذ يرى مراقبون أن انسحاب الكتل الدينية من الحكومة يضعف قدرة نتنياهو على المناورة، ويزيد من اعتماده على شركائه من أقصى اليمين، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، ما يمنح هؤلاء نفوذاً إضافياً، ويُعقّد اتخاذ قرارات تتطلب مرونة سياسية.

ومع أن المعارضة، وخاصة أحزاب "هناك مستقبل" و"أزرق أبيض" و"إسرائيل بيتنا"، أعلنت دعمها لجهود التهدئة وتبادل الأسرى، فإن نتنياهو يدرك أن جمهوره الانتخابي لا ينتمي إلى هذه الكتل، وأن الاعتماد عليها قد يضعف شرعيته أمام قواعد اليمين المتطرف.

يواصل نتنياهو تقديم مبادرات مرحلية، مثل خطة "المدينة الإنسانية" في جنوب غزة، لضمان استمرار العمليات العسكرية، مقابل تسويق صفقة تبادل جزئي تحت غطاء "الضرورة الأمنية". ويبدو أن هذه المقاربة أقنعت سموتريتش وبن غفير بعدم الانسحاب من الحكومة، مع إبقاء معارضتهم في إطار إعلامي لا يتجاوز حدود البقاء داخل الائتلاف.

في المقابل، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الولايات المتحدة، عبر إدارة الرئيس دونالد ترامب، مارست ضغوطاً مباشرة على نتنياهو لدفعه نحو تنازلات لم يكن ليقبل بها سابقاً. وبحسب الصحيفة، فإن التزام نتنياهو تجاه واشنطن بات أقوى من التزامه بشركائه اليمينيين، وهو ما يفسر انضباطه النسبي في ملفات التهدئة رغم تصاعد النقد الداخلي.

وعليه، فإن انسحاب الحريديم لا يعني بالضرورة انهيار الحكومة، بل يمثل ورقة ضغط للحصول على مكاسب إضافية في قانون التجنيد المرتقب. وحتى الآن، لم تُقدم الأحزاب الدينية على الانضمام رسمياً للمعارضة، ولم تعلن نيتها التصويت على حجب الثقة، خصوصاً مع اقتراب عطلة الكنيست. كل ذلك يمنح نتنياهو هامش تحرك مؤقت، لكنه هش ومحدود زمنياً.

في الخلاصة، يواجه نتنياهو أزمة سياسية مركبة: من جهة ضغوط داخلية من الحريديم واليمين المتطرف، ومن جهة أخرى استنزاف عسكري، وضغط أميركي متصاعد لوقف الحرب. وبين هذين الحدين، يعمل على إدارة الانقسام بدل حله، وعلى تأجيل الانفجار السياسي إلى ما بعد عطلة الكنيست، حيث يأمل بإعادة تشكيل معادلة حكم تحفظ له زمام المبادرة حتى موعد انتخابات يأمل أن يخوضها بشروط أكثر ملاءمة في مطلع عام 2026.


الكاتب:

مريم السبلاني

-كاتبة في موقع الخنادق.

-ماجستير علوم سياسية.




روزنامة المحور