الجمعة 27 حزيران , 2025 03:50

خطاب السيد الخامنئي يدحض جعجعة ترامب

السيد علي الخامنئي الخطاب الواعي مقابل خطاب ترامب المتهور

 

أظهرت الأيام التي تلت وقف إطلاق النار بين إيران وكيان الاحتلال تبايناً حاداً في طريقة تعاطي الطرفين مع نتائج الحرب. ففي الوقت الذي انشغل فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسلسلة من التصريحات المتضاربة – بين التباهي بالضربات وطرح خيار "تغيير النظام"، وصولاً إلى دعوات مفاجئة لوقف التصعيد و"الله يبارك إيران"– جاء خطاب السيد علي الخامنئي ليقدّم مقاربة مختلفة تماماً، قائمة على التقييم الاستراتيجي الصريح، والاحتكام إلى موازين القوى الميدانية. والأهم انه لم يقفل الحرب ولم يقل بأنها انتهت في إشارة إلى انها جولة من جولات المواجهة الإيرانية الصهيونية.

هذا التناقض بين الرصانة والثبات مقابل الانفعال والتهور لم يكن مجرّد فرق في الأسلوب، بل في البنية السياسية نفسها؛ إذ عكس الأول امتلاكاً واضحاً لأدوات القوة والمعرفة، فيما أظهر الثاني هشاشة في الحسابات السياسية وفشلاً في قراءة الواقع.

أسلوب ترامب المبتذل

يتعمّد ترامب استخدام خطاب صاخب ومتناقض، كجزء من تكتيك لإرضاء قاعدته الجماهيرية التي تتكون من شرائح تميل إلى القومية الأميركية، وتؤمن بالقوة العسكرية، وتشكّك بالإعلام والمؤسسات التقليدية. هذا الجمهور لا يبحث عن خطاب رصين. يعتمد ترامب على الإثارة ويحب الشهرة فكما وصفه مرة مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون بأنه "شخص استعراضي". ولهذا نراه يستخدم عبارات مثل "إيران انهارت" و" يجب عليها الاستسلام" وما شابه.. لأنها تلقى تفاعلاً وتخلق بلبلة. بالإضافة إلى اعتبار نفسه بأنه شخصية خارقة مثل "سبايدر مان" الذي سينقذ أميركا ويجعلها أعظم. لهذا دائماً ما يلجأ إلى:

-التهويل والمبالغة: يعمد ترامب إلى تضخيم إنجازاته، حتى عندما تكون نتائجها محدودة أو محل خلاف، كقوله إنه "دمر قدرات إيران النووية".

-الخطاب المتقلب: بحيث يُظهر تناقضاً واضحاً في تغريداته المتعددة بنفس الفترة أو حتى اليوم الواحد ما يجعله يبدو وكأنه يحكم بحسب "مزاجه"، إذ يهدد بـ "تغيير النظام" ثم يدعو بعدها إلى السلام.

الأسلوب السوقي: يتناول قضايا معقدة مثل السياسة النووية الإيرانية بعبارات مبتذلة مثل (إيران استسلمت - نحن الأقوى) علماً أن المؤشرات وفي سياق الحرب لم تكن توحي بذلك. ولهذا يلاحظ أن أسلوبه خال من المقومات العلمية والجدية التي من المفترض أن يتمتع بها أي تصريح صادر عن رئيس دولة خصوصاً في أوقات الحروب.

رغم أن المقارنة بين الشخصية المتهوّرة لترامب، والشخصية القيادية الحكيمة للسيد علي الخامنئي قد لا تصح واقعياً، فإن المقارنة هنا لا تهدف إلى الموازنة بين الشخصين بقدر ما ترصد الفارق بين الأسلوبين في الخطاب السياسي. ولذا يُنظر إلى خطاب القائد على أنه:

خطاب موثوق وحقيقي:

يمتاز بالثبات، والتركيز على المبادئ، وعدم الانجرار إلى الاستعراض أو ردود الفعل الانفعالية، ما يمنحه احتراماً خاصًا حتى لدى من يخالفه سياسياً (وهذا من أحد الأسباب التي جعلت المعارضين للنظام الإيراني يلتفون حوله ويدعمونه خلال فترة العدوان).

يُطمئن الداخل ويُربك الخارج:

حين يتحدث الإمام الخامنئي، تنتقل الرسالة بوضوح: "نحن نعرف ماذا نفعل، ونحن من يحدد توقيت النهاية والبداية". وهذا يُقارن عادة بتخبّط الخطاب الإسرائيلي أو الأميركي في لحظات الأزمة.

خطاب عقلاني:

يستند إلى الأدلة والمؤشرات والوقائع، وفي الوقت نفسه قادر على شحن الجمهور بروح الثورة والثبات حتى في أعقد اللحظات (نلاحظ أنه خلال الحرب بقي الشعب الإيراني في الشوارع يجوب بالمسيرات والمظاهرات الرافضة للعدوان ومخططاته وهذا جزء من تربية السيد علي الخامنئي للشعب الإيراني).

رمز الهيبة والاتزان:

في مقابل "العرض المسرحي" الذي يُقدّمه ترامب، يظهر القائد في صورة العارف بتفاصيل الميدان، الحازم في كلماته، والهادئ في نبرته، ما يترك أثراً قوياً عند القاعدة الشعبية حتى خارج إيران.

المحللون، والدبلوماسيون، ومراكز الأبحاث تنتظر خطابات السيد علي الخامنئي لتبني عليها وتستشرف مصير المنطقة، لأنه يُمثل القرار الواعي للجمهورية الإسلامية والفكر الحكيم.

الانطباعات العامة

وفي استطلاع أجرته شركة "غالوب" الأميركية أشار إلى أن ترامب خلال ولايته الأولى كان من أقل الرؤساء الأميركيين مصداقية على الساحة العالمية (الثقة به دولياً لم تتجاوز 30%). في المقابل، خلال العدوان الأخير على إيران، حتى وسائل إعلام أميركية (مثل نيويورك تايمز) أشادت بقدرة القيادة الإيرانية على ضبط الإيقاع، مما يعكس تقديراً – ولو ضمنياً – للنهج الإيراني. بل تشير استطلاعات الرأي في منطقة الشرق الأوسط وبعض المؤشرات القادمة من الغرب ان الإمام الخامنئي تحول الى رمز أممي وثوري، وكأن العالم تعرف من جديد على هذه الشخصية الاستثنائية بعد أن كان الإعلام الغربي يتعمد أن تبقى كلماته وخطاباته بعيداً عن الجمهور واهتمامات الرأي العام الإقليمي والدولي.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور