في ظل التحولات المتسارعة في النظام الدولي، واحتدام الصراعات الإقليمية والدولية، برزت ظاهرة استخدام الطائرات الحربية المنطلقة من قواعد عسكرية تقع في أراضي دول ثالثة لتنفيذ عمليات عسكرية هجومية ضد دول ذات سيادة. هذا النمط من العمليات العسكرية، والذي يزاوج بين التقنية الحربية والاصطفافات الاستراتيجية، يثير إشكاليات قانونية معقدة تتعلق بمبدأ سيادة الدول، وعدم التدخل، وحظر استخدام القوة في العلاقات الدولية.
إن استخدام أراضي دولة ثالثة – سواء برضاها أو في ظل ترتيبات دفاعية قائمة – لشن عدوان على دولة أخرى، يطرح تساؤلات جوهرية حول المسؤولية الدولية، ومدى مشروعية مثل هذا السلوك في ضوء ميثاق الأمم المتحدة، وخاصة المادتين 2(4) و51، وكذلك في إطار القانون الدولي العرفي ومبادئ محكمة العدل الدولية. كما أن الطائرات الحربية، بصفتها أدوات تنفيذ لهذا النوع من العدوان، تُعدّ تجسيدًا عسكريًا مباشرا لانتهاك مبدأ عدم استخدام القوة، ما يستدعي الوقوف عند دورها القانوني ومدى قانونية تحركها من دولة ثالثة نحو هدف عدائي في دولة أخرى.
من جهة أخرى، تزداد أهمية هذا الطرح في ضوء ما نشهده من تداخلات عسكرية متكررة في مناطق مثل الشرق الأوسط، (ومؤخرا ما قامت به الطائرات الامريكية من عدوان على المنشآت النووية الايرانية باعتراف الإدارة الأمريكية)، حيث تنطلق طائرات من قواعد أمريكية أو أطلسية في دول عربية وأوروبية لشن ضربات على دول مجاورة، تحت ذرائع أمنية أو سياسية، دون صدور تفويض أممي صريح أو إثبات لوجود حالة "دفاع شرعي عن النفس".
بناءً عليه، تسعى هذه الورقة المرفقة أدناه، إلى تقديم تحليل قانوني معمّق لهذا النمط من الأعمال العسكرية، انطلاقًا من تحديد الإطار القانوني الدولي الناظم لاستخدام القوة، مرورًا بمسؤولية الدولة المعتدية والدولة التي تستضيف القواعد العسكرية، وانتهاءً بتقييم مشروعية هذه الأفعال من منظور جريمة العدوان كما حددها نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
إن دراسة هذه المسألة لا تندرج فقط في إطار القانون الدولي العام، بل تمس أيضًا الأمن الجماعي، ومبدأ عدم تسييس ترتيبات الدفاع المشترك، وحق الشعوب في السيادة وسلامة أراضيها. وهي محاولة لفهم ما إذا كانت الطائرات الحربية قد تحوّلت من أدوات دفاع إلى أدوات عدوان مُقنّن، يمرّ عبر مسالك قانونية مشوّهة واستغلال واضح لمفاهيم الدفاع الجماعي والتحالفات الاستراتيجية.
على الرغم من وضوح مبدأ حظر استخدام القوة في القانون الدولي، لا تزال الولايات المتحدة كما الكيان المؤقت تقوم بعمليات عسكرية هجومية انطلاقًا من قواعد عسكرية تقع في أراضي دول ثالثة، مما يثير إشكاليات قانونية بالغة التعقيد، تتعلق بمشروعية هذا الاستخدام، ومسؤولية كل من الدولة المعتدية والدولة المستضيفة للقواعد، خاصة في ظل غياب تفويض دولي أو حالة دفاع شرعي عن النفس بالمعنى الدقيق الذي حدده القانون الدولي.
من هنا، يطرح السؤال الآتي: ما هو التكييف القانوني الدولي لاستخدام الطائرات الحربية المنطلقة من أراضي دولة ثالثة في شن عدوان على دولة ذات سيادة؟ وما هي المسؤوليات القانونية المترتبة على كل من الدولة المعتدية والدولة التي انطلقت منها هذه الطائرات؟
لتحميل الدراسة من هنا