الجمعة 27 حزيران , 2025 03:18

الحروب السيبرانية.. نمط مختلف

الهجمات السيبرانية

أضحت الحرب من أكثر الأدوات في البيئة الاستراتيجية العالمية ديناميكية، أذ تبسط فاعليتها عن طريق قدرة تأثيرها في المعادلة الاستراتيجية، حيث للحرب تأثير استراتيجي على أطراف التفاعل في أي مكان وزمان. كما أن تأثيرها يمتد إلى أبعد من أطرافها، لتشمل الدوائر الإقليمية والعالمية معاً، وقد جاء هذا التأثير نتيجة التغيير الكبير الذي أصاب منظومة التفكير الاستراتيجي الذي يهتم بالدراسات العسكرية، وعلى أثر ذلك تغيرت منظومة العقائد العسكرية، التي ابتعدت عن الثوابت التقليدية التي حكمت سير الحروب طيلة قرون عدة. الأمر الذي أنتج ظهور عقائد عسكرية غير التقليدية، لتأخذ من التطورات التي عصفت بالبيئة الاستراتيجية العالمية أسباباً دراماتيكياً، كما يقول منير شفيق، انطلاقاً من حتمية تناغم الحرب مع البيئة الاستراتيجية سواء أكانت عالمية أو إقليمية أم داخلية، إذ أن التغيير في عقيدة الحرب يشير إلى وصف مُجمل التغيرات التي تسير نسق الاشتباك مع العدو.

وانطلاقاً من مبدأ "الفكر ابن بيئته" تتطور العقائد الحربية؛ لذا فأن التغيير يأتي من طبيعة الحرب، والتغيير في طبيعة الحرب استراتيجياً.

يمكن القول أن الحروب التقليدية وما بعدها من أنماط الحروب الحديثة، ظلت لفترة طويلة تحدد أبعادها بطبيعة التطور والتأثير في البيئة الاستراتيجية العالمية، فاتساع تأثيرات العامل التكنولوجي في البيئة الاستراتيجية، لا سيما بعد انتهاء الحرب الباردة، أضاف أبعاداً أخرى للحروب الحديثة، وتلاشت الفواصل والحدود والموانع بين ما هو مدني وعسكري، ومن ثم أخذت الحروب منحنيات غير تقليدية، سواء من حيث الفاعلون، أم القضايا، أو ديناميات التفاعل، ومع بروز الفضاء السيبراني كساحة للصراع والتفاعل العالمي، واجهت المفاهيم التقليدية، مثل الحرب تحديات واضحة، لا سيما لجهة مدعي ملاءمتها، أو حتى تكيفها مع طبيعة التفاعلات في الواقع الافتراض.

بناءً على ما تقدم ظهرت مداخل ورؤى نظرية أكثر قدرة على تفسير طبيعة التغيرات التي ألحقتها الحقائق السيبرانية بطبيعة شن وإدارة الحروب في البيئة الاستراتيجية العالمية، فقد اختصر الفضاء السيبراني حاجز الزمان والمكان، وأوجد مساحات للتفاعلات الداخلية والدولية في الواقع الافتراضي، نتيجة تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصال مع مطلع القرن الحادي والعشرين. الأمر الذي شكل فضاءات واسعة لتبلور مظاهر عصرية من الحروب بعيدة كل البعد عن مفهوم الحروب التقليدية المتعارف عليها، ومن هنا تجلت الحروب السيبرانية بمظهر الحروب العصرية بكونها حرب ديناميكية واسعة التفاعل، وأخذت بدورها تزاحم المفاهيم التقليدية المتعارف عليها من الحروب لاعتبارات عدة، أهمها عوامل التأثير ومحدودية التكلفة والرد.

ولقد عرف ريتشارد أ.كلارك الحرب السيبرانية بأنها تصرفات من قبل دولة قومية لاختراق أجهزة الكومبيوتر أو الشبكات في دولة أخرى للإضرار أو تعطيل خدمة الكترونية. في حين عرفها مارتن لبكي من منظارين أساسيين: يتمظهر الأول: بـ"الاستراتيجي" يدور حول حملة من الهجمات الإلكترونية ينفذها كيان ما على الآخر، أما المنظار الثاني، والذي يعرفه "تكتيكياً"، حيث يدور على أساس توظيف الهجمات الإلكترونية على الجيش التقليدي من جانب خصومه في سياق حرب غير تقليدية. إذا هي حرب قائمة بالفعل بين العديد من الدول، ولكن أدواتها أجهزة الكومبيوتر وشبكات الانترنت، ويرى محللون أن مثل هذا النوع من الهجمات قد يصبح هو القاعدة في الحروب المستقبلية بين الدول، إذ ستشكل جيوش الكترونية هدفها اختراق الدول الأخرى وتدمير بنيتها التحتية.

ولقد أدى انتشار شبكات الانترنت الى ظهور الفضاء السيبراني والذي سُمي لاحقاً بالبيئة الاستراتيجية السيبرانية، ولقد ساهمت عوامل عديدة في تنامي التهديدات الإلكترونية لمصالح الدول، ومن ثم إمكانية اندلاع حروب سيبرانية، من هذه العوامل:

- تزايد ارتباط العالم بالفضاء السيبراني، الأمر الذي اتسع معه خطر تعرض البنية التحتية الدولية للمعلومات لهجمات الكترونية.

- تراجع دور الدولة في ظل العولمة، وانسحابها من بعض القطاعات الاستراتيجية مع تصاعد أدوار الشركات المتعددة الجنسيات لا سيما العاملة في مجال التكنولوجيا كفاعل في الفضاء السيبراني.

- تزايد اعتماد الدول على الأنظمة الإلكترونية في جميع منشآتها الحيوية جعل من الممكن الإضرار بمصالحها من خلال هجمات سيبرانية في حالة الحرب.

- قلة تكلفة الحروب السيبرانية مقارنة بالحروب التقليدية، مع إمكانيات من حيث التوقيت.

- تحول الحروب السيبرانية إلى إحدى أدوات التأثير في المعلومات المستخدمة في مستويات ومراحل الصراع، سواء على المستوى الاستراتيجي أو التكتيكي العملاني بهدف التأثير سلبياً في هذه المعلومات ونظمها.

- توظيف الفضاء السيبراني في تعظيم قوة الدول عن طريق إيجاد ميزة أو تفوق أو تأثير في مختلف البيئات، وهذا ما أدى الى ظهور الاستراتيجية السيبرانية للدول.


الكاتب:

نسيب شمس

-كاتب وباحث سياسي




روزنامة المحور