الأربعاء 25 حزيران , 2025 04:05

لماذا أصبح تسليح الأردن أولوية استراتيجية لواشنطن؟

الأردن خط دفاع عن الكيان

تسعى واشنطن إلى تعويض انكفائها عن خوض مواجهة مباشرة، عبر توسيع دائرة "الوكلاء" الذين يمكن الاعتماد عليهم لتنفيذ المهام الأمنية والعسكرية في المنطقة. وفي هذا السياق، يقدّم موقع "ذا ناشيونال إنترست" خلال مقال نشر فيه وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، الأردن كنموذج مثالي لهذا الدور: دولة تتجاوب بسرعة، وتنخرط بفعالية، وتنفّذ المطلوب منها دون مماطلة أو اعتراض.

يبرز المقال كيف تحوّلت عمّان، خصوصاً بعد مشاركتها في اعتراض الصواريخ والطائرات الإيرانية خلال جولات "الوعد الصادق"، إلى شريك أمني مفضّل لدى واشنطن، ما دفع الإدارة الأميركية إلى التفكير بجدّية في رفع مستوى الاستثمار العسكري هناك. لكن ما يضمره المقال يشير إلى أن الأردن يتمتّع بميزة نادرة من وجهة نظر واشنطن: الطاعة السياسية والجاهزية الأمنية، ما يجعله أداة يمكن تسليحها وتفعيلها عند الحاجة، دون كلفة سياسية تُذكر.

وبينما يروّج المقال لأهمية تزويد الأردن بمنظومات باتريوت وطائرات أباتشي ومقاتلات "اف 16" المتقدمة، إلا أن ما يقترحه فعلياً هو تحويل الأردن إلى قاعدة متقدّمة دفاعية تخدم الكيان أولاً، وتُنفّذ السياسات الأميركية دون نقاش. بهذا المعنى، يُطرح الأردن كاستثمار مضمون قابل للتسليح الأمريكي مقابل حماية "إسرائيل".

النص المترجم:

تعزيز القدرات العسكرية الأردنية سيكون مكسباً للدفاع الجوي الأميركي والإسرائيلي ضد الضربات الصاروخية الإيرانية.

 بات من الضروري أن تعيد واشنطن تقييم شراكتها الاستراتيجية مع الأردن، الحليف القديم في المنطقة. إذ يشكل الأردن حاجزاً جغرافياً بين "إسرائيل" وإيران، وقد برز مؤخراً كحاجز لا غنى عنه في مواجهة "العدوان" الإيراني. وإذا كانت الولايات المتحدة تسعى لتعزيز الاستقرار في المنطقة دون التورط المباشر، فإن دعم القدرات الدفاعية الأردنية بات ضرورة استراتيجية. وقد تم تصنيف الأردن كحليف رئيسي من خارج حلف الناتو عام 1996.

خلال العقود الماضية، بلغ إجمالي المساعدات الثنائية الأميركية للأردن نحو 33.6 مليار دولار حتى السنة المالية 2025. وتنص مذكرة التفاهم الحالية، الموقعة في سبتمبر 2022، على تقديم 1.45 مليار دولار سنوياً حتى السنة المالية 2029، وهي أكبر التزامات المساعدات الخارجية متعددة السنوات التي تقدمها الولايات المتحدة للمملكة، بإجمالي قدره 10.15 مليار دولار على مدى سبع سنوات. ومن هذا المبلغ، يُخصص 400 مليون دولار سنوياً لبرنامج التمويل العسكري الخارجي، ما يُظهر وجود بنية تحتية راسخة للتعاون العسكري بين الولايات المتحدة والأردن. إلا أن هذا الإطار، رغم قوته، لم يعد كافياً لمواكبة حجم التهديدات الملحة.

أداء المملكة الأردنية الأخير خلال الهجمات الإيرانية بالطائرات المسيّرة والصواريخ في يونيو 2025، حيث تمكنت القوات الأردنية من اعتراض عدد كبير من المقذوفات التي كانت تهدد أراضي "إسرائيل"، يبرهن على الأهمية الحيوية لتوسيع الدعم العسكري الأميركي للمملكة بشكل فوري. فهذه الخطوة تُعد استثماراً حكيماً في أمن الولايات المتحدة، وليست مجرد مساعدة موجهة للأردن بحد ذاته.

الأردن: دولة على خط المواجهة الأمامي

في السنوات الأخيرة، أثبت الأردن التزامه المتزايد بدوره الحيوي في منظومة الدفاع الإقليمي، خاصة في مواجهة التهديدات الإيرانية.

فخلال الضربة الإيرانية الأولى على "إسرائيل" في نيسان/أبريل 2024، المعروفة باسم "الوعد الصادق 1"، أظهر الأردن قدرات دفاعية استثنائية. ورغم أن عدد الاعتراضات الدقيق لم يُكشف، إلا أن التقارير أكدت أن القوات الجوية الأردنية لعبت دوراً مهماً.

أما في يونيو 2025، فقد شكّلت الضربات الإيرانية "الوعد الصادق 3"، الاختبار الأضخم حتى الآن لقدرات الأردن الدفاعية، حيث أطلقت إيران أكثر من 500 صاروخ باليستي ونحو 200 طائرة مسيّرة استجاب الأردن بسرعة بإغلاق مجاله الجوي، ونشر طائراته من طراز "اف 16" رغم أن بعض الصواريخ تمكنت من الوصول إلى تل أبيب.

ترسانة متطوّرة: "اف 16"، أباتشي، وباتريوت

مع تطور تكتيكات إيران في استخدام المسيّرات والصواريخ، بات واضحاً أن القدرات العسكرية الحالية للأردن غير كافية للتعامل مع هذا المستوى من التهديدات. فالقوات الجوية الملكية الأردنية تعتمد بشكل أساسي على مقاتلات "اف 16" التي تعود إلى تسعينيات القرن الماضي. وعلى الرغم من إدخال بعض التحديثات عليها، إلا أن هذه الطائرات تفتقر إلى الرادارات والأسلحة المتقدمة الموجودة في الطرز الأحدث، ما يجعلها عاجزة عن مواجهة التهديدات عالية السرعة أو على ارتفاعات عالية، مثل الصواريخ الباليستية الإيرانية الحديثة.

أما على صعيد الدفاع الجوي الأرضي، فإن النظام الرئيسي المستخدم هو "ميم 23 هاوك" الأميركي، الذي تم تطويره في الستينيات. هذا النظام لم يُصمم لاعتراض صواريخ الكروز الحديثة أو الرؤوس الحربية الباليستية الفرط صوتية التي تمتلكها إيران اليوم.

حالياً، تمتلك القوات الجوية الأردنية أكثر من 60 طائرة "اف 16"، وقد اشترت مؤخراً ثماني طائرات جديدة من طراز "اف 16" بلوك 70. لكن في ظل التصعيد الإقليمي، فإن هذه الأرقام لا تلبي الحد الأدنى المطلوب لتحقيق الردع والدفاع الفعّال.

ويشير الخبراء إلى أن الأردن يحتاج ما لا يقل عن 24 إلى 36 طائرة لتأمين تغطية جوية كافية وتمكينه من التحرك العملياتي بمرونة.

الأردن كاستثمار استراتيجي لا يُقدّر بثمن

تسريع المساعدات العسكرية للأردن يتماشى تماماً مع الهدف الأميركي الأساسي: احتواء إيران دون الانجرار إلى مواجهة عسكرية مباشرة. فبدلاً من خوض الحروب بنفسها، توفر واشنطن من خلال دعم الأردن وسيلة منخفضة التكلفة لتحييد خطر الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية. بخلاف برامج المساعدات الخارجية الأخرى التي قد تثير جدلاً داخلياً، فإن هذا النوع من الدعم يُترجم فوراً إلى مكاسب.

وجود دفاعات أردنية حديثة يقلل من خطر أن تؤدي الهجمات الإيرانية إلى تصعيد أوسع يستدعي تدخّل القوات الأميركية، ويبعث في الوقت ذاته رسالة طمأنة إلى الحلفاء بأن واشنطن ملتزمة باستراتيجية دفاع جماعي.

بدلاً من البحث عن الدفاعات في كل مرة تشن فيها إيران هجوماً، من المنطقي تعزيز قدرة الأردن بشكل دائم.

لقد أثبت الأردن التزامه المتواصل بالشراكة الأمنية مع واشنطن، من خلال استضافته للقوات الأميركية. ومن هنا، تدين الولايات المتحدة للأردن بتوفير التفوّق العسكري اللازم ليستمر في تحمّل هذا العبء.

ومع تزايد القيود على الميزانية الأميركية وتعدد أولوياتها العالمية، فإن الاستثمار في قدرات الأردن العسكرية يُعدّ من أفضل العوائد الممكنة عبر تعزيز الردع الإقليمي، وتقاسم الأعباء، وتوسيع نطاق القوة الأميركية من دون توسيع وجودها المباشر. لقد ولّى زمن الدعم التدريجي؛ على أميركا الآن أن تزوّد الأردن بالتكنولوجيا العسكرية المتقدمة التي تؤهله ليكون حاجزاً في وجه إيران.


المصدر: The National Interest

الكاتب: Abdullah Hayek




روزنامة المحور