منذ أيام، وفي إطار تحليله لكيفية نجاح الصواريخ القادمة من اليمن وإيران في إصابة أهداف داخل إسرائيل. اعتبر الصحفي الإسرائيلي المتخصّص بالتكنولوجيا والطيران، نيتسان سادان، في مقاله الدوري ضمن عمود "القبطان"، بأن سبب النجاح هو الرأس الحربي المناور للصواريخ اليمنية والإيرانية، التي يصعب على منظومات الاعتراض الإسرائيلية والأمريكية التصدي لها بسهولة.
فبحسب سادان، فإنه بدلاً من الرأس الحربي الذي يسقط سقوطاً حراً، باتت صواريخ الجمهورية الإسلامية في إيران وصواريخ اليمن، مزوّدة برأس حربي يمتلك زعانف مناورة ومحرك خاص به، ما يفرض معضلة على بطاريات "حيتس" (السهم) الإسرائيلية. وهذا ما دفعه لوصف الدفاع الجوي للكيان المؤقت، بأنه كحارس المرمى، الذي يُقاس فقط بعدد الأهداف التي لم يتمكن من صدّها. مشيراً الى أن صواريخ محور المقاومة التي تتساقط على الكيان، لم تعد صواريخ عادية.
ولتبيين ما هو الفرق، فإن الصاروخ الباليستي القياسي سهل نسبياً للاعتراض لأن مساره يعتمد على السقوط الحر. فهو يصعد لأعلى نقطة ممكنة بفعل الدفع، ثم يسقط في مسار قوسي. وتستطيع أنظمة الرادار الدفاعية المتطورة، تحديد ذروة الارتفاع وحساب المسار بدقة، مما يمكّن صواريخ منظومة "حيتس - آرو" من اعتراضه في الوقت المناسب.
فما هي مواصفات وخصائص هذه الأنواع من الرؤوس الحربية المناورة؟
_ تمت تطوير الرؤوس الحربية المصححة للمسار، من خلال تزويدها بزعانف كبيرة، وأنظمة توجيه أكثر حساسية، وقدرة على تنفيذ مناورة فعلية: انحراف يمين، ثم يسار. صحيح أن هذا الانحراف لا يتجاوز 8 إلى 10 درجات، لكنه كافٍ لجعل التنبؤ بالمسار واختيار نقطة الاعتراض مهمة أكثر تعقيداً.
_طورت الجمهورية الإسلامية عائلة متقدمة من الصواريخ الباليستية ذات الرؤوس الحربية المناورة بمختلف المديات: التكتيكية (أقل من 300 كلم)، القصيرة (حتى 500 كلم)، والمتوسطة (حتى 2000 كلم).
أما في اليمن، فقد أعلنت القوات المسلحة منذ أشهر، نجاحها في تصنيع الصاروخ الفرط صوتي "فلسطين 2"، الذي يتمكن رأسه الحربي أيضاً من تنفيذ العديد من المناورات خلال مساره النهائي نحو الهدف.
_من الصواريخ الإيرانية ذات الرأس الحربي المناور، يبرز صاروخ "خيبر شكن"، الذي يستطيع الوصول إلى أراضي فلسطين المحتلة وهو يحمل قنبلة وزنها نصف طن، فيما يسلك مسار متعرج مكثف نحو الهدف.
_في حزيران / يونيو 2023، كُشف عن صاروخ جديد يُدعى "فتّاح 1"، وهو نسخة محسّنة من خيبر شكن مزوّدة برأس حربي كبير يمكنه تنفيذ التسارع حتى أثناء السقوط. وباعتراف إسرائيلي موثّق بفيديوهات لعملية الوعد الصادق، فإن فتّاح 1 تمكّن عدة مرات من الإفلات من صواريخ "حيتس" الإسرائيلية المدعومة بمنظومات ثاد الأميركية.
ويمتاز فتّاح 1، بفوهة العادم فيه، التي تعطيه القدرة على التحرك بمحورين إلى أربعة محاور، ما يتيح له تغيير مساره ثم تثبيته على مسار جديد حتى خارج الغلاف الجوي. ويمتلك هذا الرأس الحربي نمطين للطيران: تسارع كبير مع مناورة طفيفة، أو مناورة أكثر وضوحاً على حساب السرعة والثبات.
_ بعكس الصاروخ الباليستي العادي، يمكن لصاروخ فتّاح 1 من الوصول الى ذروة الارتفاع، لكنه يواصل التقدم ثم يُطلق الرأس الحربي الذي يبدأ بالمناورة والانعطاف. كل انحراف يتم رصده من قبل الحساسات فوراً، لكنه لا يتيح معرفة إن كانت هذه هي الزاوية النهائية التي سيستقر عليها الرأس، وبالتالي يصعب اختيار نقطة اعتراض دقيقة. هل الانعطاف إلى اليمين هو الأخير؟ هل سيتبعه انعطاف آخر إلى اليسار؟ هل الزاوية 15 درجة، ويمكن اعتراضه حتى إن انحرف قليلاً؟ أم أنها زاوية حادة تتطلب إطلاق صاروخ إضافي؟ بأي سرعة تتم هذه الانعطافات؟ وهذا ما يصعّب جداً من مهمة الاعتراض على وحدات الدفاع الجوي والصاروخي في جيش الاحتلال الإسرائيلي، بحيث يجب أن تجد الإجابات عن هذه الأسئلة في كل مرة ولكل صاروخ.
_ بينما تقوم رادارات الاحتلال بتحليل سلوك الرأس الحربي في الجو، فإن الأخير يستمر في التقدم والوقت المتاح للرد يتقلص، وبالتالي فإن هناك مساحة إذا خرج منها الرأس اليمني أو الإيراني بالمناورة، فإن الاعتراض سيفشل.
حتماً سيفرض اليمن الحصار الجوي على إسرائيل
ووفقاً لخطة تصعيد محكمة، تسعى القوات المسلحة اليمنية إلى إطباق الحصار الجوي بنسبة كبيرة على الكيان، وعزله عن العالم أجمع، من خلال الاستهداف المتكرر لمطار الكيان الرئيسي في اللد (أي مطار بن غوريون). وبما أن عمليات الإسناد اليمنية، غير محدودة بوقت معين، فإنها قادرة على مباغتة إسرائيل في غضون، دقائق لامتلاكها صواريخ فرط صوتية متطوّرة، ذات رؤوس حربية مناورة، تستطيع قطع المسافة من اليمن إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال 11.5 دقيقة كحد أقصى، وتتيح لها تجاوز كل منظومات الاعتراض الإسرائيلية والأمريكية، ويمكنها من خلال دراسة تكتيكات الاعتراض، اكتشاف الثغرات في النظام الدفاعي الإسرائيلي لتنفيذ هجمات دقيقة ومدمرة.
الكاتب: غرفة التحرير