الثلاثاء 13 أيار , 2025 10:45

بين فيتو الرياض وعزوف طرابلس: هل انتهت الزعامة الحريرية؟

إقصاء سعد الحريري من المشهد السياسي بقرار سعودي

في كل سنة، يعود سعد الحريري في شباط إلى لبنان لإحياء الذكرى السنوية لاغتيال والده، ثم يختفي تماماً عن الساحة اللبنانية، ولا سيّما عن المشهد السياسي فيها. علماً أنّه، وفي كل مرة، يعطي وعوداً بالعودة إلى الحياة السياسية لكن لا تترجم هذه التصريحات إلى خطوات فعلية ولا يُسجّل له أي حضور سياسي ملموس، كما جرى في الانتخابات البلدية الأخيرة، التي غاب عنها الحريري وتياره في طرابلس. البارز في الأمر أنه في 14 شباط 2025 ألقى الحريري خطاباً في ساحة الشهداء وسط بيروت أظهر خلاله بشدة رغبته بالعودة للعمل السياسي حيث أعلن أن "تيار المستقبل سيشارك في الاستحقاقات المقبلة للبلاد". فهل يمكن تفسير هذا الغياب على أنه خيار شخصي؟ أم أنّه نتيجة قرار خارجي، وتحديداً سعودي، يقضي بإقصائه عن المشهد؟

طرابلس بلا زعيم

غياب سعد الحريري عن المشهد السياسي انعكس بوضوح على العملية الانتخابية في طرابلس، التي تُعد من أكبر معاقل تيار المستقبل. هذا الغياب ترك أثراً مباشراً على الركيزة الشعبية للتيار، إذ سُجّلت في المدينة أدنى نسبة اقتراع، بلغت 26%. بالإضافة إلى التوترات والإشكالات التي شهدتها مراكز الاقتراع في الشمال. ويمكن قراءة هذا المشهد بوصفه ردّة فعل طبيعية على غياب القيادة التي تُجسد توجهات الشارع السني، والمتمثّلة بالحريري، الذي لا يُنظر إليه كسياسي فحسب، بل كزعيم للطائفة. فبرغم تراجع عمل التيار في السنوات الأخيرة، لا يزال يُعدّ مرجعية مركزية في الساحة السنية، يصعب تجاوزها أو استبدالها ببدائل عابرة.

فيتو يمنع الحريري

إقصاء الحريري من المشهد السياسي لا يمكن فصله عن الموقف السعودي غير المرحّب بعودته. فالسعودية، التي شكّلت تاريخياً الراعي الأبرز للحريرية السياسية، باتت ترى أن هذا النموذج لم يعد يلبّي تطلعاتها في المرحلة الحالية. ويبدو أن هناك فيتو يمنع الحريري من إعادة تفعيل دوره، ويظهر هذا بوضوح في تصريح يزيد بن فرحان عند زيارته لبنان فحسب ما أفادت المصادر حينها أن المبعوث قد أبلغ رئيس الحكومة وشخصيات في بيروت "بعدم التعاون مع أي جهة تابعة لفريق المستقبل في الانتخابات البلدية"، وأن السعودية وجهت رسالة واضحة للحريري تنص على أنه غير مرغوب به في الساحة السياسية اللبنانية. -ومن خلال النظر لواقع الأمور يتضح بأن عدم المشاركة ليس قراراً شخصياً-. بل هناك مسعى سعودي لإعادة هيكلة الزعامة السنية عبر الدفع بوجوه أكثر انسجاماً مع رؤيتها. هذا التحول يعكس رغبة الرياض في إعادة تشكيل التوازنات الداخلية في لبنان بما يتوافق مع أولوياتها، خصوصاً في ظل تقاطع الأزمات الإقليمية وتشابكها مع الملف اللبناني.

هل تكون بيروت على خطى طرابلس

بعد المشهد الانتخابي الذي اتّسم بالتشرذم وغياب الاستقرار في طرابلس، يمكن التساؤل عمّا إذا كان السيناريو ذاته سيتكرّر في بيروت، التي تُعدّ بدورها حاضنة أساسية لتيار المستقبل وتشكل له مرجعية سياسية وشعبية. وإذا ما غابت هذه المرجعية، فمن المرجّح أن نشهد نسبة مشاركة خجولة في الاقتراع، ولا سيما أن المؤشرات التي أفرزتها انتخابات طرابلس تُظهر بوضوح تراجع الحماسة الشعبية لدى جمهور المستقبل الذي رفع في الذكرى العشرين شعار "بالعشرين على ساحتنا راجعين"، وبعد الوعود التي لم تنجز تعرض الجمهور السني لصدمة نتيجة غياب الحافز الأساسي للمشاركة، والمتمثل بحضور سعد الحريري في الساحة السياسية. فأتى القرار الشعبي متمثلاً بالاعتكاف عن المشاركة في الانتخابات البلدية.

من يملأ الفراغ؟

نتيجةً لتزايد الضغوط الخارجية، لا سيما السعودية، والتي تمثلت في إقصاء الحريري عن العمل السياسي، يبدو أن الساحة السنية في لبنان تواجه أزمة قيادية لاسيما أن الأسماء المرشحة لتملأ الشاغر تبدو وكأنها غير محببة لدى الجمهور السني أو أن الشارع حالياً سواء في طرابلس أو بيروت أو صيدا غير راض عن تنصيب بديل. وهذه المسألة قد تعمّق الشروخ وتترك فراغاً ينتج عنه غموض في مستقبل الزعامة السنية. وخصوصا بعد فشل رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام في ملء الشاغر ما نتج عنه امتعاض سني واسع.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور