يستعرض هذا المقال أيضاً، الذي نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، حال العلاقة المتراجعة ما بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس حكومة الكيان المؤقت بنيامين نتنياهو. مبيناً بأن بنيامين نتنياهو الذي لطالما روج لعلاقاته مع ترامب، فإن الأخير يُهمّشه في قضايا مُلحّة، مثل المحادثات النووية الإيرانية والصراع مع اليمنيين، وهذا ما يثير استياء وذعر الإسرائيليين.
واللافت بأن المقال نقل عن مسؤولين ومحللين إسرائيليين قولهم بأن هناك صعود لجناح متشكك في إسرائيل داخل واشنطن، وخصوصًا داخل الحزب الجمهوري الذي يُنظر إليه تقليديًا على أنه مقرّب من إسرائيل، وهو ما بات يشكل تحديًا جديدًا لها.
النص المترجم:
خلال أول رحلة خارجية رئيسية له هذا الأسبوع، من المقرر أن يزور الرئيس دونالد ترامب ثلاث دول في الشرق الأوسط - المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة - دون التوقف في القدس (المحتلة).
وهذه ليست المرة الأولى التي يتجاوز فيها إسرائيل - أو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ومن الشروع في محادثات نووية مع إيران إلى محاولة إجراء محادثات مع حماس بشأن الرهائن دون علم إسرائيل، همّش ترامب نتنياهو بشكل متزايد، مما أثار القلق في بلد اعتاد منذ فترة طويلة على التشاور مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
في الأسبوع الماضي، اعتقد الإسرائيليون أنهم رأوا المزيد من التصدعات تظهر بين رئيس "أمريكا أولاً" وإسرائيل، بعد أن قال ترامب إنه أبرم هدنة مع المتمردين الحوثيين في اليمن حدّت من هجمات الجماعة على السفن الأمريكية - لكنها لم تشمل إسرائيل. وبعد أيام، ظهرت تقارير تفيد بأن ترامب كان يفكر في منح المملكة العربية السعودية إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا النووية المدنية دون مطالبة المملكة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو شرط مسبق وضعه الرئيس السابق جو بايدن. وقال القيادي البارز في حركة حماس خليل الحية، الأحد، إن الحركة ستفرج عن الرهينة الإسرائيلي الأميركي عيدان ألكسندر بعد محادثات مباشرة مع مسؤولين أميركيين.
الآن، يتساءل كثير من الإسرائيليين عمّا إذا كانت إسرائيل ستكون الحليف الأميركي التالي الذي يُترك خلف الركب من قبل رئيس كانوا يعتبرونه، قبل أشهر فقط، الأكثر دعمًا لإسرائيل في التاريخ.
وقد قال مايكل أورين، السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن: "إنه أمر مُقلق".
فيما قال شالوم ليبنر، المساعد السابق لنتنياهو والزميل في المجلس الأطلسي، واصفًا المزاج السائد في القدس: "إنه ذعر تام".
أما دينيس روس، المسؤول الكبير السابق في وزارة الخارجية الذي شغل منصب مبعوث الشرق الأوسط في عهد رؤساء ديمقراطيين وجمهوريين، فقد قال إن المخاوف الإسرائيلية بشأن مفاوضات ترامب مع إيران والتهديدات الأخرى لإسرائيل "لا تُؤخذ في الاعتبار، أو إذا وُجدت، يتم تجاهلها".
وأشار روس إلى أن الأصوات في إدارة ترامب التي تدعو إلى تقليل التدخلات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط آخذة في التصاعد، بينما من المرجح أن يُعطي ترامب الأولوية القصوى لجلب استثمارات بمليارات الدولارات من دول الخليج الغنية إلى الولايات المتحدة خلال رحلته. قال روس: "ما تراه هو أن الرئيس ترامب لديه فكرة عما يصب في مصلحتنا، وهذا يأتي في المقام الأول. إنه يحدد طبيعة مصالحنا الخارجية ليس من خلال سياق جيوسياسي أو أمني، بل من خلال إطار اقتصادي ومالي وتجاري. أعتقد أن الرئيس ترامب قد يرى أنه "نحن نقدم لهم 4 مليارات دولار سنويًا كمساعدات عسكرية. وأنا أبذل الكثير لدعم الإسرائيليين".
في مقابلة بُثّت يوم الخميس، ردّ السفير الأميركي الجديد لدى إسرائيل، مايك هاكابي، على الادعاءات بأن الإدارة تتجاهل المخاوف الإسرائيلية، وأبلغ قناة تلفزيونية إسرائيلية أن "الولايات المتحدة ليست ملزمة بالحصول على إذن من إسرائيل" للتوصل إلى وقف إطلاق نار مع الحوثيين. وبعد يوم واحد، لجأ هاكابي إلى حسابه على منصة إكس ليدين ما وصفه بالتقارير الإعلامية "المتهورة وغير المسؤولة" التي ألمحت إلى أن ترامب ونتنياهو "لا يتفقان".
في إسرائيل اليوم، تشير حالة القلق المتصاعد إلى انعكاس حاد في المزاج العام مقارنة بشهر تشرين الثاني / نوفمبر، حين احتفل كثيرون بانتخاب ترامب. واعتبره نتنياهو "أعظم عودة في التاريخ". ورأى وزراء في حكومته اليمينية المتطرفة ضوءًا أخضر للتوسع، فدعوا فورًا إلى ضم الضفة الغربية المحتلة، وشن حروب بلا قيود، وبناء مستوطنات يهودية جديدة في غزة.
لكن المزاج بدأ بالتغير حتى قبل تنصيب ترامب. ففي الخفاء، اشتكى بعض حلفاء نتنياهو من أن المبعوث الخاص لترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، كان يضغط على نتنياهو لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار مع حماس، وادّعوا أن ويتكوف متأثر بعلاقات تجارية شخصية مع قطر. وبدأ آخرون يخشون أن ميول ترامب نحو إبرام الصفقات قد تمنعه من تنفيذ ضربة عسكرية ضد إيران، أو تؤدي إلى اتفاق نووي يسمح لإيران بالاحتفاظ ببعض قدراتها على تخصيب اليورانيوم.
وفي المكتب البيضاوي في نيسان / أبريل، أعلن ترامب، بحضور نتنياهو والصحافة، أن الولايات المتحدة ستجري محادثات مباشرة مع إيران حول برنامجها النووي. رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي ظل لأكثر من عقد يدفع القادة الأميركيين إلى استخدام القوة العسكرية لتفكيك منشآت إيران النووية، أدار نظره إلى جانب آخر وبدت عليه علامات المفاجأة الواضحة.
وقال أحد مستشاري ترامب، واصفًا تعامل ترامب مع نتنياهو بأنه "درجة فوق" اجتماعه المتوتر مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل 3 أشهر. إن أصواتًا مؤثرة في حركة "اجعلوا أميركا عظيمة مجددًا" (MAGA) عملت طوال الربيع لمقاومة جهود جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل والجمهوريين المحافظين الجدد، التي سعت لتعيين صقور ضد إيران وشخصيات يُنظر إليها على أنها قريبة جدًا من نتنياهو في مناصب حساسة في الأمن القومي.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست هذا الشهر أن مستشار الأمن القومي السابق مايكل والتز تم استبعاده من منصبه بعد أن تبين أنه نسّق بشكل مكثف مع نتنياهو حول خيارات عسكرية ضد إيران، وهو ما أثار غضب ترامب.
وقال أحد مستشاري ترامب: "في حركة MAGA، لسنا من محبي بيبي"، مستخدمًا لقب نتنياهو. وأضاف: "ترامب حازم: يريد من الجميع أن يلقوا أسلحتهم". وقد تحدث هذا المستشار، مثل عدد من المصادر الأخرى الواردة في المقال، بشرط عدم الكشف عن هويته للحديث بصراحة عن العلاقات بين الزعيمين.
يقول مسؤولون ومحللون إسرائيليون إن صعود جناح متشكك في إسرائيل داخل واشنطن، وخصوصًا داخل الحزب الجمهوري الذي يُنظر إليه تقليديًا على أنه مقرّب من إسرائيل، يشكل تحديًا جديدًا.
فعلى مدى عقود، عندما اصطدم رؤساء أميركيون، من الجمهوري جورج بوش الأب إلى الديمقراطي باراك أوباما، بإسرائيل حول قضايا مثل سياسة الاستيطان في الضفة الغربية أو الاستراتيجية تجاه إيران، كانت إسرائيل تعتمد على أنصارها في الكونغرس للدفاع عنها. ومع ذلك، حتى بعدما ألقى نتنياهو وبعض داعمي إسرائيل بثقلهم خلف ترامب، بدأ عدد من المشرّعين الجمهوريين الموالين لترامب، مثل النائبة مارغوري تايلور غرين (جورجيا)، في الابتعاد المتزايد عن إسرائيل، ما جعلها من دون سند فعلي في الكونغرس.
قال المحلل السياسي الإسرائيلي البارز، عميت سيغال: "هناك المزيد والمزيد من الانتقادات، مع قول البعض: لقد وضعنا كل بيضنا في سلة واحدة، والآن نحن خالي الوفاض". وأضاف: "ماذا ستفعل إسرائيل الآن؟ هل ستتصل بالنائبة ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز؟ إنها مشكلة".
من جهتهم، حاول حلفاء نتنياهو التقليل من شأن أي شرخ بين الزعيمين الأميركي والإسرائيلي. وقال أحد أعضاء حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو إن مشاعر القلق في إسرائيل تعود ببساطة إلى توقعات غير واقعية.
وقال ذلك الحليف: "الكثير من الناس كانوا سعداء فقط بأن كامالا هاريس لم تكن هي الرئيس، فظنّوا أن ترامب سيكون رئيسًا أميركيًا من حزب الليكود، سيفعل كل ما تريده إسرائيل". وأضاف: "لكن تلك التوقعات لم تكن واقعية أبدًا، وأعتقد أن رئيس الوزراء كان يدرك ذلك دومًا".
مسؤول إسرائيلي آخر أشاد بترامب لأنه زوّد الجيش الإسرائيلي بذخائر ثقيلة، وقال إن مسؤولي إدارة بايدن كثيرًا ما مارسوا ضغطًا على إسرائيل للسماح بدخول مزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة، في حين أن ترامب لم يقدّم أي طلب من هذا النوع خلال الأشهر الأولى من ولايته.
ومع ذلك، فإن مجرد الانطباع بأن نتنياهو يفقد دعم ترامب قد يُضعف رئيس الوزراء الإسرائيلي المخضرم، الذي بنى صورته العامة على قدرته في التأثير على السياسة الأميركية أكثر من أي من خصومه المحليين.
خلال الانتخابات البرلمانية الشرسة في عام 2019، كشف نتنياهو عن لوحة إعلانية ضخمة على الطريق السريع الرئيسي في تل أبيب تُظهره وهو يصافح ترامب، وفوقها الشعار: "نتنياهو، في دوري مختلف". كما أطلق حزب الليكود فيديو انتخابيًا يظهر فيه نتنياهو متعهدًا بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المتنازع عليها تاريخيًا — قبل أن ينتقل المقطع بسرعة إلى ترامب وهو يعلن تنفيذ ذلك بالضبط.
لكن بعد عام، أغضب نتنياهو ترامب عندما أعلن عزمه على ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، وهو ما ساهم في إفشال خطة السلام في الشرق الأوسط التي روّج لها ترامب بوصفها "صفقة القرن". كما زاد نتنياهو من غضب ترامب حين هنأ جو بايدن على فوزه في الانتخابات بينما كان ترامب يطعن في نتائجها، بحسب ما رواه ترامب في مقابلات مع موقع Axios عام 2021.
وفي الأيام الأخيرة، استغل خصوم نتنياهو هذه اللحظة للتشكيك في طريقة إدارته للعلاقات مع الولايات المتحدة. فقد وصف يائير لابيد، زعيم المعارضة، المفاوضات المباشرة بين الولايات المتحدة وحركة حماس بشأن الرهائن بأنها "فشل دبلوماسي مخزٍ" من قبل نتنياهو، وقال إن "مسؤولية إعادتهم تقع على عاتق الحكومة".
أما يائير غولان، زعيم حزب يساري التوجه، فقال: "الأميركيون يتقدمون في صفقة مع السعوديين، ويتقدمون في صفقة مع إيران، ويتقدمون في خطة إقليمية جديدة بمليارات الدولارات، بينما يتجاهلون نتنياهو وإسرائيل".
وقال مايكل أورن، السفير الإسرائيلي السابق لدى واشنطن، إن كثيرين في إسرائيل ينسون أن ترامب "ليس من محبي الاستيطان؛ لقد كان ضد ضم الضفة الغربية، وتبنّى خطة الدولتين" خلال ولايته الأولى.
وأضاف أورن أن بعض الأصوات المؤيدة لإسرائيل والمؤثرة بشدة لم تعد موجودة في البيت الأبيض. وتابع: "دعونا نكون واقعيين".
المصدر: واشنطن بوست - Washington post
الكاتب: غرفة التحرير